لذا نؤجل الكلام فيهما إلى وقت آخر خشية السأم. ونشرع في البحث عن النوع الثالث الذي هو أخفّها تناولاً وأبسطُها فهماً.

النوع الثالث: هو أن العاملين المخلصين في هذه الخدمة القرآنية، حينما يعتريهم الفتورُ والإهمال في العمل يأتيهم التحذيرُ والتنبيه فيتلقون لطمةً ذاتَ رأفة وعطف، وينتبهون من غفلتهم، ويسرعون بجد للخدمة مرةً أخرى. إنَّ حوادث هذا القسم تربو على المائة، إلّا أننا نسوق هنا ما يقرب من عشرين حادثة جرت على إخواننا، عشرة ونيفٌ منهم تلقوا لطمةَ حنان رؤوفة، بينما تلقّى حوالي سبعة منهم لطمةَ زجرٍ عنيفة.

فالأول منهم: هو هذا المسكين.. «سعيد»، فكلما انشغلتُ بما يعود على خاصة نفسي بما يفتر عملي للقرآن، أو انهمكتُ في أموري الخاصة، وقلت: ما لي وللآخرين! أتاني التحذيرُ وجاءتني اللطمة؛ لذا بتُّ على يقين من أن هذه العقوبةَ لم تنزل إلّا نتيجة إهمالي وفتوري في خدمة القرآن؛ لأنني كنت أتلقى اللطمة بخلاف المقصد الذي ساقني إلى الغفلة.. ثم بدأنا مع الاخوة المخلصين نتابع الحوادث ونلاحظ التنبيهات الربانية والصفعات التي نزلت بإخوتي الآخرين.. فأمعنا النظر فيها، وتقصّينا كلاً منها، فوجدنا أنَّ اللطمة قد أتتهم مثلي حيثما أهملوا العملَ للقرآن وتلقّوها بضدِّ ما كانوا يقصدونه، لذا حصلتْ لدينا القناعةُ التامة بأن تلك الحوادث والعقوبات إنما هي كرامة من كرامات خدمة القرآن. فمثلاً هذا السعيد الفقير إلى الله تعالى.. فعندما كنت منشغلاً بإلقاء دروسٍ في حقائق القرآن على طلابي في مدينة «وان» كانت حوادث «الشيخ سعيد»(∗) تقلق بال المسؤولين في الدولة. وعلى الرغم من ارتيابهم من كل شخص، لم يمسّوني بسوء، ولم يجدوا عليَّ حجةً مادمتُ مستمراً في خدمة القرآن. ولكن ما إن قلتُ في نفسي: «ما لي وللآخرين»! وفكرتُ في نفسي فحسب، وانسحبتُ إلى جبل «أرك» لأنزوي في مغاراته الخربة، وأنجو بنفسي في الآخرة، إذا بهم يأخذوني من تلك المغارة وينفوني من ولاية شرقية إلى أخرى غربية، إلى «بوردور».

كان المسؤولون في هذه المدينة يراقبون المنفيين مراقبةً شديدة، وكان على المنفيين إثباتُ وجودِهم بحضورهم مساءَ كلِّ يوم لدى الشرطة إلّا أنني وطلابي المخلصين استُثنينا من هذا الأمر ما دمتُ قائماً بخدمة القرآن، فلم أذهب لإثبات الحضور ولم أعرف أحداً من المسؤولين

Yükleniyor...