ومثال آخر:

إذا قام صنّاع ماهر، بصنع حاكٍ -بلا اسطوانة- يعبّر عما يريده منه ويعمل على أفضل صورة يرغبها هو، كم يكون ذلك الصناع مفتخراً، وكم يكون متلذذاً من رؤية صنعته على هذه الصورة وكم يكون مسروراً حتى يردد في نفسه: «ما شاء الله»..

فإذا كانت صنعةٌ صغيرة صورية -من دون إيجاد حقيقي- تثير في روح صانعِها إلى هذه الدرجة من مشاعر الافتخار والرضى. فكيف بالصانع الحكيم الذي أوجد هذه الموجودات كلَّها وجعلها موسيقى إلهية تعبّر عن شكرها وتسبيحها وتقديسها بأنواعٍ من النغمات وأنواع من الكلام، كما جعلها مصنعاً عجيباً فضلاً عما أسبغ على كل نوع من أنواع الكائنات، وكلِّ عالَم من عوالم الكون من صنعةٍ متقنة بديعة متباينة معجزة بخوارقها، أضف إلى ذلك المكائن الكثيرة التي أودعها في رؤوس ذوي الحياة الشبيهة بالحاكي وآلات التصوير وأجهزة البث والاستقبال، بل أودع أعجب من هذه الأجهزة المعجزة حتى في رأس أصغر حيوان! بل لم يودع في رأس الإنسان مجرد حاكٍ بلا اسطوانة، ولا آلة تصوير بلا عدسة، ولا هاتفاً بلا سلك بل مكائن أعجب بكثير وخوارق أعظم وأعظم مما ذكر بكثير.

فما يُنشئه عمل هذه المكائن العاملة وفق إرادته والمودَعة في رأس الإنسان المخلوق في أحسن تقويم من معاني الافتخار المقدس والرضى المقدس، وأمثالها من المعاني الجليلة والشؤون المقدسة للربوبية -التي هي من هذا النوع- يستلزم حتماً هذه الفعالية الدائمة المشاهدة.

ومثلاً: إن الحاكم العادل يجد لذةً ومتعة ورضىً عندما يأخذ حقَّ المظلوم من الظالم ويجعل الحق يأخذ نصابَه، ويفتخر لدى صيانته الضعفاءَ من شرور الأقوياء، ويسرّ لدى منحه كل فرد ما يستحقه من حقوق.. كل ذلك من مقتضيات الحاكمية والعدالة وقواعدهما الأساس. فلابد أن الحاكم الحكيم العادل الذي هو «الحي القيوم» بمنحِه شرائطَ الحياة في صورة حقوق الحياة للمخلوقات كافة ولاسيما الأحياء.. وبإحسانه إليهم بأجهزة تحافظ على حياتهم.. وبحمايته الضعفاء من شرور الأقوياء بكل رحمة ورأفة.. وبتوليه إظهار سر العدالة في الكون بإعطاء كلِّ ذي حق من الأحياء حقَّه كاملاً.. وبإنزال شيء من العقوبة بالظالمين -في هذه الدنيا- وبخاصة ما يحصل من التجلي الكامل للعدالة العظمى في المحكمة الكبرى ليوم

Yükleniyor...