تدرك عندئذٍ، درجته العالية الرفيعة وتفهم أن شخصيته المعنوية شمسُ الكائنات والسراج المنير للخلق أجمعين.

الدليل الثاني: إنَّ بذرة الشجرة الوارفة للإسلام، ومنشأها، وحياتَها، ومنبعها إنما هي حقيقة الماهية المحمدية، بما تملك من فطرة سامية، وخلقة كاملة. فتذكّر هذا ثم فكّر في الرقي الروحي لهذا الرسول الحبيب ﷺ النابع من استشعاره الكامل الأتم لجميع معاني عبادته، وأذكاره، وكلماته الشريفة ومراتبها، والذي يمثل بمجموعه روحَ الإسلام وحقيقتَه. لتعلم مدى علو مرتبة ولاية عبوديته ﷺ إلى الدرجة الرفيعة، درجة الحبيبية. وافهم مبلغَ سموّها.

ولقد فتح الله عليّ يوماً في سجدةٍ في صلاةٍ، بعض المعاني والأنوار المشعة من كلمة (سبحان ربي الأعلى) بما يقرب من فهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من هذه الكلمة المقدسة. فتبين لي يقيناً أنها خيرٌ من عبادة شهر، فأدركتُ بها المنزلة العظيمة والدرجة العالية التي يحظى بها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

نعم، إنَّ الأنوار التي تشعها الكلماتُ المقدسة، وفيوضاتُها في بدء الإسلام لها مزايا خاصة، وذلك لجدّتها، ولها من اللطافة والطراوة واللذة ما تتناقص بمرور الزمن وتتستر تحت ستار الغفلة.

والآن، وفي ضوء ما سبق تأمل مكانة الرسول الكريم ﷺ الذي تناول الكلام المقدس، ورَشَفَه من المنبع الأقدس، واستوعب أنواره بالوحي الإلهي بكامل جدّتِه وطراوته ولطافته. مع ما فُطر عليه من استعداد كامل.. فالأنوار والفيوضات الكامنة في تسبيحةٍ واحدة منه ﷺ هي خيرٌ وأعمّ من جميع الأنوار التي تملأ أرجاء عبادة سنة كاملة عند غيره.!.

قِس على هذا المنوال، كي تعلم كم بلغ رسولُنا الحبيب ﷺ من درجات الكمال التي لا حد لها ولا نهاية.

الدليل الثالث: إنَّ الإنسان يمثل أعظم مقصد من المقاصد الإلهية في الكون، وهو المؤهَّل لإدراك الخطاب الرباني. وقد اختاره سبحانه من بين مخلوقاته، واصطفى من بين الإنسان المكرّم مَن هو أكملُ وأفضل وأعظم إنسان بأعماله وآثاره الكاملة، ليكون موضعَ خطابه الجليل باسم النوع الإنساني كافة، بل باسم الكائنات جميعاً. فلا ريب أن الله سبحانه

Yükleniyor...