تدير موازنةَ عموم الأشياء، وتأمر البشرية بإقامة العدل. وإن ذكر الميزان أربع مرات في سورة الرحمن إشارة إلى أربعة أنواع من الموازين في أربع مراتب وبيان لأهمية الميزان البالغة ولقيمته العظمى في الكون. وذلك في قوله تعالى: ﹛﴿ وَالسَّمَٓاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْم۪يزَانَۙ ❀ اَلَّا تَطْغَوْا فِي الْم۪يزَانِ ❀ وَاَق۪يمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْم۪يزَانَ ﴾|﹜ (الرحمن: ٧-٩).
نعم، فكما لا إسراف في شيء، فلا ظلمَ كذلك ظلماً حقيقياً في شيء، ولا بخسَ في الميزان قط، بل إن التطهير والطهر الصادر من التجلي الأعظم لاسم «القدوس» يعرض الموجودات بأبهى صورتها وأبدع زينتها، فلا ترى ثمة قذارة في موجود، ولا تجد قبحاً أصيلاً في شيء ما لم تمسّه يدُ البشر الوسخة.
فاعلم من هذا أن «العدالة والاقتصاد والطهر» التي هي من حقائق القرآن ودساتير الإسلام، ما أشدَّها إيغالاً في أعماق الحياة الاجتماعية، وما أشدَّها عراقة وأصالة. وأدرك من هذا مدى قوةِ ارتباط أحكام القرآن بالكون، وكيف أنها مدّت جذوراً عميقة في أغوار الكون فأحاطته بعرىً وثيقة لا انفصام لها. ثم افهم منها أن إفساد تلك الحقائق ممتنعٌ كامتناع إفساد نظام الكون والإخلال به وتشويه صورته.
ومثلما تستلزم هذه الحقائق المحيطة بالكون، وهذه الأنوار العظيمة الثلاثة «العدالة والاقتصاد والطهر» الحشرَ والآخرة، فإن حقائق محيطة معها: كالرحمة والعناية والرقابة، وأمثالِها من مئات الحقائق المحيطة والأنوار العظيمة تستلزم الحشرَ وتقتضي الحياة الآخرة، إذ هل يمكن أن تنقلب مثل هذه الحقائق المهيمنة على الموجودات والمحيطة بالكون إلى أضدادها بعدم مجيء الحشر وبعدم إقامة الآخرة، أي أن تنقلب الرحمةُ إلى ضدها وهو الظلم، وتنقلب الحكمةُ أو الاقتصاد إلى ضدهما وهو العبث والإسراف، وينقلب الطُهر إلى ضده وهو العبث والفساد. حاشَ لله..
إنَّ الرحمة الإلهية، والحكمة الربانية اللتين تحافظان على حقّ حياةِ بعوضةٍ ضعيفة محافظةً تتسم بالرحمة الواسعة، لا يمكن أن تضيّعا -بعدم إقامة الحشر- حقوقَ جميع ذوي الشعور غير المحدودين وتهضما حقوقاً غير متناهية لموجودات غير محصورة..
وإن عظمة الربوبية التي تُظهر دقة متناهية وحساسية فائقة -إذا جاز التعبير- في الرحمة
نعم، فكما لا إسراف في شيء، فلا ظلمَ كذلك ظلماً حقيقياً في شيء، ولا بخسَ في الميزان قط، بل إن التطهير والطهر الصادر من التجلي الأعظم لاسم «القدوس» يعرض الموجودات بأبهى صورتها وأبدع زينتها، فلا ترى ثمة قذارة في موجود، ولا تجد قبحاً أصيلاً في شيء ما لم تمسّه يدُ البشر الوسخة.
فاعلم من هذا أن «العدالة والاقتصاد والطهر» التي هي من حقائق القرآن ودساتير الإسلام، ما أشدَّها إيغالاً في أعماق الحياة الاجتماعية، وما أشدَّها عراقة وأصالة. وأدرك من هذا مدى قوةِ ارتباط أحكام القرآن بالكون، وكيف أنها مدّت جذوراً عميقة في أغوار الكون فأحاطته بعرىً وثيقة لا انفصام لها. ثم افهم منها أن إفساد تلك الحقائق ممتنعٌ كامتناع إفساد نظام الكون والإخلال به وتشويه صورته.
ومثلما تستلزم هذه الحقائق المحيطة بالكون، وهذه الأنوار العظيمة الثلاثة «العدالة والاقتصاد والطهر» الحشرَ والآخرة، فإن حقائق محيطة معها: كالرحمة والعناية والرقابة، وأمثالِها من مئات الحقائق المحيطة والأنوار العظيمة تستلزم الحشرَ وتقتضي الحياة الآخرة، إذ هل يمكن أن تنقلب مثل هذه الحقائق المهيمنة على الموجودات والمحيطة بالكون إلى أضدادها بعدم مجيء الحشر وبعدم إقامة الآخرة، أي أن تنقلب الرحمةُ إلى ضدها وهو الظلم، وتنقلب الحكمةُ أو الاقتصاد إلى ضدهما وهو العبث والإسراف، وينقلب الطُهر إلى ضده وهو العبث والفساد. حاشَ لله..
إنَّ الرحمة الإلهية، والحكمة الربانية اللتين تحافظان على حقّ حياةِ بعوضةٍ ضعيفة محافظةً تتسم بالرحمة الواسعة، لا يمكن أن تضيّعا -بعدم إقامة الحشر- حقوقَ جميع ذوي الشعور غير المحدودين وتهضما حقوقاً غير متناهية لموجودات غير محصورة..
وإن عظمة الربوبية التي تُظهر دقة متناهية وحساسية فائقة -إذا جاز التعبير- في الرحمة
Yükleniyor...