أيها الإنسان الذي يقصد نفع ذاته وحده!

انظر إلى فائدة واحدة للذباب تعود إليك فحسب مما سوى فوائده ومنافعه للحياة. وتخلّ عن عدائك له. فكما أنه يورثك الأُنس والسلوان في الاغتراب والوحدة والانفراد، كذلك يوقظك من نوم الغفلة وغمرات تشتت الفكر، فيذكّرك بوظائف إنسانية كالحركة والنشاط والنظافة الدائمة بوضوئه وصلاته وتنظيفه وجهه وعيونه، كما هو مشاهد.

وكذا النحل -وهي صنف من الذباب- تُطعمك العسلَ الذي هو ألذّ غذاء وألطفه، وهي الملهمة بالوحي الإلهي كما نص عليه القرآن الكريم. فعليك أن توليها حبَّك.

إنَّ العداء للذباب لا معنى له، بل هو ظلم وإجحاف بحق تلك الحيوانات التي تعاون الإنسان وتسعى لصداقته وتتحمل أذاه. وإنما يجوز مكافحة المضرة منها فحسب، وذلك دفعاً لأضرارها، كدفع ضرر الذئاب عن الأغنام.

فيا ترى أليس من المحتمل أن يكون البعوضُ والبرغوث المسلطان علينا حجّامات فطرية، أي موظفات بمصّ الدم الفاسد الجاري في الأوردة وقت الحر وزيادة الدم أكثر من حاجة الجسم؟.. سبحان من تحيّر في صُنعه العقول..

كنت يوماً في جدال مع نفسي، إذ اغترّت بما أنعم الله عليها، وتوهمت أنها مالكةٌ لها، وبدأت بالفخر والمدح.

فقلت لها: إنكِ لا تملكين شيئاً بل هو أمانة. فتركت الغرورَ والفخر. ولكنها تكاسلت قائلة: لِمَ أرعى ما ليس لي؟ وماذا عليّ لو ضاع؟.

وفجأة رأيت ذبابةً وقفت على يدي وبدأت بتنظيف وجهها وعينها وجناحيها وهي أمانات لديها تنظيفاً على أجمل ما يكون، مثلما ينظف الجندي سلاحه وملابسه التي سلّمتها له الدولةُ، فقلت لنفسي: انظري إلى هذه الذبابة، فنظرتْ وتعلّمت منها درساً بليغاً. وهكذا أصبح الذبابُ أستاذاً لنفسي الكسلانة.

إنَّ فضلات الذباب لا ضرر لها من حيث الطب، بل قد تكون شراباً حلواً (وغذاءً لحشرات أخرى) (4) إذ ليس من المستبعد عن الحكمة الإلهية، بل من شأنها أن تجعل من الذباب

Yükleniyor...