التي هي البعض عينه، ويخلق من البذور المتماثلة بعضها مع البعض الآخر مائة ألفَ طرازٍ من الحيوانات ومائة ألف شكل من الطيور ومائة ألف نوع من النباتات، ومائة ألف صنف من الأشجار، يخلقها بلا خطأ وبلا نقص وبلا التباس، يخلقها مزيّنة جميلة وموزونة منظمة، مع تميّز بعضها عن البعض الآخر واختلاف بعضها عن بعض، يخلقها باستمرار ولاسيما أيام كل ربيع أمام أعيننا في منتهى الكثرة، وفي منتهى السهولة، وفي منتهى السعة، وفي منتهى الوفرة.. فخلقُ جميع هذه المخلوقات متشابهةً ومتداخلةً ومجتمعةً على النمط نفسه والأشكال عينِها، ضمن عظمة هذه القدرة المطلقة وحشمتها، يظهر لنا بوضوح: وحدانيته سبحانه وتعالى وأحديته.

وقد أفهمتني الآيةُ أنه لا يمكن التدخل مطلقاً ولا المداخلة قطعاً في مثل هذا الفعل للربوبية المطلقة وفي تصرف هذه الخلاقية، اللتين تبرزان هذه المعجزات غير المحدودة وتنشرانها.

فإلى الذين يريدون أن يفهموا هويتي الشخصية وماهيتي الإنسانية كما هي لكل مؤمن.. وإلى الذين يرغبون أن يكونوا مثلي، عليهم أن ينظروا إلى تفسير نفسي (أنا) في جمع «نا» في الآية الكريمة ويتدبّروا في موقعه في ذلك الجمع. وليفهموا ما وجودي وجسمي الذي يبدو ضئيلاً وفقيراً لا أهمية له -كوجود كل مؤمن-؟! وليعلموا ما الحياة نفسها بل ما الإنسانية؟! وما الإسلام؟! وما الإيمان التحقيقي؟ وما معرفة الله؟ وكيف تحصل محبة الله؟. فليفهموا.. وليتلقوا درساً في ذلك!.

المرتبة النورية الحسبية الرابعة

وافقت العوارضُ المزلزلة لكياني أمثالَ الشيب والغربة والمرض وكوني مغلوباً على أمري، وافقت تلك العوارض فترة غفلتي، فكأن وجودي الذي أتعلق به بشدة يذهب إلى العدم، بل وجودُ المخلوقات كلها تفنى وتنتهي إلى الزوال، فولّد عندي ذهاب الجميع إلى العدم قلقاً شديداً واضطراباً أليماً فراجعت الآية الكريمة أيضاً ﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ فقالت لي: «تدبّر في معانيّ، وانظر إليها بمنظار الإيمان» وأنا بدوري نظرت إلى معانيها بعين الإيمان فرأيت:

أنَّ وجودي الذي هو ذرة صغيرة جداً -كوجود كل مؤمن- مرآةٌ لوجود غير محدود،

Yükleniyor...