الإيجاد فإنها لا تتمكن من ذلك إلّا بالجمع. فما دامت ستقوم بالجمع، وإن الكائن الحي -أياً كان- ينطوي على أغلب نماذج ما في العالم من عناصر وأنواع، وكأنه خلاصةُ الكائنات أو بذرتُها، فلابد إذن من جمع ذرات البذرة من شجرة كاملة، وجمع عناصر الكائن الحي وذراته من أرجاء العالم أجمع، وذلك بعد تصفيتها وتنظيمها وتقديرها بدقة وإتقان حسب موازينَ خاصة ووفق مصافٍ حساسة ودقيقة جداً.. ولكون الأسباب المادية الطبيعية جاهلةً وجامدةً، فلا علم لها مطلقاً كي تقدّر خطة، وتنظّم منهاجاً، وتنسق فهرساً، وكي تتعامل مع الذرات وفق قوالب معنوية، مصهرة إياها في تلك القوالب لتمنعها من التفرق والتشتت واختلال النظام. بينما يمكن أن يكون شكلُ كلِّ شيء وهيئته ضمن أنماط لا تُحد.. لذا فإن إعطاء شكل معين واحد من بين تلك الأشكال غير المحدودة، وتنظيم ذلك الشيء بمقدار معين ضمن تلك المقادير غير المعدودة، دون أن تتبعثر ذراتُ العناصر الجارية كالسيل وبانتظام كامل. ثم بناؤها وعمارتها بعضها فوق بعض بلا قوالب خاصة وبلا تعيين المقادير، ثم إعطاء الكائن الحي وجوداً منتظماً منسقاً.. كل هذا أمرٌ واضح أنه خارجٌ عن حدود الإمكان، بل خارج عن حدود العقل والاحتمال! فالذي لم يفقد بصيرته يرى ذلك بجلاء! نعم، وتوضيحاً لهذه الحقيقة فقد جاء في القرآن الكريم: ﹛﴿ اِنَّ الَّذ۪ينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾|﹜ (الحج: ٧٣). أي إذا اجتمعت الأسبابُ المادية كافة لا يمكنها أن تجمع وتنسق جسم ذبابة واحدة وأجهزتها وفق موازين دقيقة خاصة حتى لو أوتيت تلك الأسباب إرادةً واختياراً، بل حتى لو تمكنت من تكوين جسم ذباب وجمعه فإنها لا تستطيع إبقاءه وإدامته على مقداره المعين له، بل حتى لو تمكنت من إبقائه بالمقدار المعين فلن تستطيع أن تحرك بانتظام تلك الذرات التي تتجدد دوماً وترد إلى ذلك الوجود لتسعى فيه؛ لذا فمن البداهة أنَّ الأسباب لن تكون مالكةً لهذه الأشياء ولن تكون صاحبتَها مطلقاً. إنما صاحبُها الحقيقي هو غيرُ الأسباب.. نعم، إنَّ لها مالكاً وصاحباً حقيقياً بحيث إن إحياء ما على الأرض من كائنات سهلٌ عليه ويسير، كإحياء ذبابة واحدة. وإيجادُ الربيع عنده سهلٌ وهينٌ كسهولة إيجاد زهرة واحدة.. كما تبينه الآية الكريمة: ﹛﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾|﹜ (لقمان: ٢٨) ذلك لأنه غير محتاج إلى الجمع، حيث إنه مالك لأمر ﹛﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾|﹜ .. ولأنه يخلق من العدم في كل ربيع أحوالَ موجودات الربيع وصفاتِها وأشكالَها، مما سوى عناصرها.. ولأن خطة كل شيء

Yükleniyor...