وكذا، فإن تجليات جميع الأسماء الحسنى لخالق الكون المتجلّية في أرجاء العالم كله، تقتضي بالبداهة وجود عالم آخر خالد، وتدل دلالة واضحة على وجود الآخرة.

وكذا القدرةُ الإلهية وحكمتُها المطلقة، التي لا إسراف فيها ولا عبث، والتي تحيي جنائز الأشجار الميتة وهياكلها المنتصبة، تحييها وهي لا تعد ولا تحصى على سطح الأرض في كل ربيع، وفي كل سنة، بأمر ﹛﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾|﹜ وتجعلها علامة على «البعث بعد الموت» فتحشر ثلاثمائة ألف نوع من طوائف النباتات وأمم الحيوانات وتنشرها، مظهرةً بذلك مئات الألوف من نماذج الحشر والنشور ودلائل وجود الآخرة.

وكذا الرحمة الواسعة التي تديم حياة جميع ذوي الأرواح المحتاجة إلى الرزق، وتعيّشها بكمال الرأفة عيشة خارقة للغاية. والعناية الدائمة التي تظهر أنواع الزينة والمحاسن بما لا يُعد ولا يحصى، في فترة قصيرة جداً في كل ربيع. لا شك أنهما تستلزمان وجود الآخرة بداهة.

وكذا عشق البقاء، والشوق إلى الأبدية وآمال السرمدية المغروزة غرزاً لا انفصام لها في فطرة هذا الإنسان الذي هو أكملُ ثمرة لهذا الكون، وأحب مخلوق إلى خالق الكون، وهو أوثق صلة مع موجودات الكون كله، لاشك أنه يشير بالبداهة إلى وجود عالم باقٍ بعد هذا العالم الفاني، وإلى وجود عالم الآخرة ودار السعادة الأبدية.

فجميع هذه الدلائل تثبت بقطعية تامة -إلى حدّ يستلزم القبول- وجود الآخرة بمثل بداهة وجود الدنيا. (4) فما دام أهم درس يلقننا القرآن إيّاه هو «الإيمان بالآخرة» وهذا الدرس رصين ومتين إلى هذه الدرجة، وفي ذلك الإيمان نورٌ باهر ورجاء شديد وسلوان عظيم ما لو اجتمعت مائةً ألف شيخوخة في شخص واحد لكفاها ذلك النور، وذلك الرجاء، وذلك


Yükleniyor...