مهاوي الذل والتصنع والرياء، ويضطرون إلى التملق والتزلف إلى أرباب الدنيا المحرومين من كل معاني الشهامة والهمة والغيرة.

فيا أهل الحق! ويا أهل الشريعة والحقيقة والطريقة! ويا من تنشدون الحق لأجل الحق! اسعوا في دفع هذا المرض الرهيب، مرضِ الاختلاف بتأدبكم بالأدب الفرقاني العظيم، ألا وهو: ﹛﴿ وَاِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾|﹜ (الفرقان: ٧٢)، فاعفوا عن هفوات إخوانكم واصفحوا عن تقصيراتهم، وغضوا أبصاركم عن عيوب بعضكم البعض الآخر، ودعوا المناقشات الداخلية جانباً. فالأعداء الخارجيون يُغيرون عليكم من كل صوب، واجعلوا إنقاذ أهل الحق من السقوط والذلة من أهم واجباتكم الأخروية وأولاها بالاهتمام، وامتثلوا بما تأمركم به مئات الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة من التآخي والتحابب والتعاون، واستمسكوا بكل مشاعركم بعرى الاتفاق والوفاق مع إخوانكم في الدين ونهج الحق المبين بأشد مما يستمسك به الدنيويون الغافلون، واحذروا دائماً من الوقوع في شباك الاختلاف. ولا يقولن أحدكم: «سأصرف وقتي الثمين في قراءة الأوراد والأذكار والتأمل، بدلاً من أن أصرفه في مثل هذه الأمور الجزئية» فينسحب من الميدان ويصبح وسيلة في توهين الاتفاق والاتحاد، وسبباً في إضعاف الجماعة المسلمة، ذلك لأن المسائل التي تظنونها جزئية وبسيطة ربما هي على جانب عظيم من الأهمية في هذا الجهاد المعنوي. فكما أنَّ مرابطة جندي في ثغر من الثغور الإسلامية -ضمن شرائط خاصة مهمة- لساعة من الوقت قد تكون بمثابة سنة من العبادة، (12) فإن يومك الثمين هذا الذي تصرفه في مسألة جزئية من مسائل الجهاد المعنوي ولاسيما في هذا الوقت العصيب الذي غُلب أهل الحق فيه على أمرهم، أقول إنَّ يومك هذا ربما يأخذ حُكم ساعة من مرابطة ذلك الجندي، أي يكون ثوابه عظيماً، بل ربما يكون يومك هذا كألف يوم. إذ ما دام العمل لوجه الله وفي سبيله فلا يُنظر إلى صغره وكبره ولا إلى سموه وتفاهته، فالذَرَّة في سبيل رضاه سبحانه مع الإخلاص تصبح نجمة متلألئة، فلا تؤخذ ماهية الوسيلة بنظر الاعتبار وإنما العبرة في النتيجة والغاية، وحيث إنها رضى الله سبحانه، وأن أساس العمل هو الإخلاص، فلن تكون تلك المسألة إذن مسألة صغيرة، بل هي كبيرة وعظيمة.

Yükleniyor...