الجواب: لما كان وقتُ نزول الغيث غيرَ مرتبط بقاعدة مطّردة، فإنه يرتبط مباشرة بالمشيئة الإلهية الخاصة، ويتبع الإرادة الإلهية الخاصة، فينزل من خزينة رحمته تعالى دون وساطة. وإنَّ سرَّ حكمته هو الآتي:

إنَّ أَهمَّ حقيقةٍ في الكون وأثمنَ ماهيةٍ فيه هي الوجود، الحياة، النور، الرحمة. وإن هذه الأربعة متوجهةٌ مباشرة ودون وسائط وحجُب إلى القدرة الإلهية ومشيئتها الخاصة، بينما تحجب الأسبابُ الظاهرة في المصنوعات الإلهية الأخرى تصرّفَ القدرة الإلهية، وتستر القوانينُ المطردة والقواعد الثابتة -إلى حدٍ ما- الإرادةَ الإلهية ومشيئتَها، إلّا أن تلك الحُجب والأستار لم توضَع أمام الحياة والنور والرحمة؛ لعدم جريان حكمةِ وجودها في تلك الأمور.

وحيث إن الرحمة والحياة أهم حقيقتين في الوجود، وإن الغيث منشأ الحياة ومدار الرحمة بل هو عينُ الرحمة، فلابد ألَّا تكون الوسائط حُجباً أمامها، ولابد ألَّا تستر القاعدةُ المطّردة المشيئةَ الإلهية الخاصة بها، وذلك ليضطر كلُّ فرد في كل وقت، وفي كل أمر إلى الشكر وإظهار العبودية وإلى السؤال والتضرع والدعاء؛ إذ لو كانت تلك الأمور على وفق قاعدةٍ معينة لانسدَّ بابُ الشكر والرجاءُ منه تعالى استناداً إلى القاعدة المطردة. فطلوعُ الشمس مع ما فيه من منافع معلومة، لأنه مرتبطٌ بقاعدة معينة، فلا يُسألُ الله سبحانه طلوعَها ولا يُشكر عليه شكراً خاصاً ولا يُعدّ ذلك من أمور الغيب، لأن البشر يعرفون بالعلم الذي توصلوا إليه وبوساطة تلك القاعدة موعدَ شروق الشمس غداً.

ولكن جزئيات الغيث ليست مرتبطة بقاعدة معينة، لذا يضطر الناسُ في كل وقت إلى التضرع والتوسل إلى رحمته تعالى. ولما كان علمُ البشر لا يستطيع أن يحدد وقت نزول الغيث، فقد تلقاه الناسُ نعمةً خاصة لا تصدر إلّا من خزينة الرحمة الإلهية، فيشكرون ربهم شكراً حقيقياً عليها. وهكذا فهذه الآية الكريمة تُدخل وقتَ نزول الغيث بين المغيبات الخمس من هذه الزاوية التي ذكرناها. أما الإحساس بالأجهزة في المراصد عن مقدمات وقت نزوله، ومن ثُم تعيين وقته فهذا ليس علماً بالغيب، بل هو علم بالاطلاع على بعض مقدمات نزوله حينما يقترب إلى عالم الشهادة بعد صدوره من الغيب، مثلما يُعلم بنوع من إحساس مسبَق أخفى

Yükleniyor...