واعلم يقيناً أنه ليست إلّا حقيقةُ الرحمة الإلهية -التي تسع الحكمةَ والعناية والعلمَ والقدرة- قد سخَّرتْ لك هذه الكائنات، وجَعَلَتها طوع إرادتك، وأنت المخلوق الضعيف الصغير العاجز الفقير الفاني.

فرحمةٌ عظيمة إلى هذا الحد، واسعةٌ إلى هذا القدر.. لاشك أنها تطلب منك شكراً كلياً خالصاً، وتعظيماً لا يَشوبُه شيءٌ.

فاعلم أنه لا يُترجم لك ذلك الشكرَ الكلي والتعظيم الخالص إلّا ﹛﴿ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ ﴾|﹜. فقله، واتخذه وسيلةً لبلوغك تلك الرحمة الواسعة، واجعله شفيعاً لك لدى الرحمن الرحيم.

حقاً! إن وجودَ الرحمة وظهورَها أظهرُ من الشمس في كبد السماء؛ إذ كما يحصل نسجُ نقشٍ جميل في المركز من تناسق لُحمَته وسَداه ومن انتظام أوضاع خيوطٍ تمتد من كل جهة نحو المركز.. فإن خيوطَ شعاع النور النابع من تجلي ألف اسم واسم من الأسماء الحسنى، والممتدة إلى هذا الكون الشاسع تنسج على سيمائه نسيجاً في غاية الروعة والجمال ضمن إطار الرحمة السابغة، حتى يُظهِر للعقول -أوضحَ من الشمس للعيون- ختماً واضحاً للرحيمية، ونقشاً رائعاً للشفقة والرأفة، وشعاراً بديعاً للعناية.

نعم، إنَّ الذي ينظّم الشمس والقمر والعناصر والمعادن والنباتات والحيوانات، وينسقها جميعاً بأشعة ألف اسم واسم، كأنها لُحمةُ نقشٍ بديعٍ وسَداه، وخيوطُه النورانية، ويسخّرها جميعاً في خدمة الحياة.. والذي يُظهر رأفتَه وشفقته على الخلق أجمعين بما أودع في الوالدات -من نبات وحيوان- تلك الشفقة الحلوة اللذيذة تجاه صغارها.. والذي أظهر أسطع تجليات رحمته، وأجمل نقوش ربوبيته سبحانه، بتسخيره الأحياء لحياة الإنسان، مبيناً به منزلة الإنسان لديه وأهميته عنده.. هو الرحمن ذو الجمال الذي جعل رحمته الواسعة هذه شفيعةً مقبولة مأنوسة لدى غناه المطلق، يتشفّع بها ذوو الحياة والإنسان المفتقر فقراً مطلقاً إلى تلك الرحمة.

فيا أيها الإنسان!

إنْ كنت إنساناً حقاً، فقل: ﹛﴿ بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ ﴾|﹜ لتظفر بذلك الشفيع.


Yükleniyor...