الثانية: جنازةٌ عظيمة تطوي مجموع أنواع الأحياء المتعلقة بحياة البشرية قاطبة، والتي ماتت ودُفنت في قبر الماضي الذي يسع الكرة الأرضية.. وما أنا إلّا نقطة تمحى عاجلاً ونملة صغيرة تموت سريعاً على وجه هذا العصر الذي هو شاهد قبر تلك الجنازة.

الثالثة: الجنازةُ الضخمة التي تطوي هذا الكون عند قيام الساعة، وحيث إن موته عندئذ أمر محقَّق لا مناص منه، فقد أصبح في نظري في حكم الواقع الآن، فأخذت الحيرةُ جوانب نفسي، وبُهتُّ من هول سَكرات تلك الجنازة المهولة، وبدت وفاتي - التي هي الأخرى آتيةٌ لا محال- كأنها تحدث الآن، فأدارت جميعُ الموجودات وجميعُ المحبوبات ظهرها لي ومضت، وتركتني وحيداً فريداً، مثلما جاءت في الآية الكريمة: ﹛﴿ فَاِنْ تَوَلَّوْا... ﴾|﹜ . وأحسست كأن روحي تُساق إلى المستقبل الممتد نحو الأبد الذي اتخذ صورةَ بحر عظيم لا ساحل له.. وكان لابد من إلقاء النفس في خضمّ ذلك البحر العظيم طوعاً أو كرهاً.

وبينما أنا في هذا الذهول الروحي، والحزن الشديد يعصِر قلبي، إذا بمَدد يأتيني من القرآن الكريم والإيمان. فمدّتني الآية الكريمة: ﹛﴿ فَاِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّٰهُ لَٓا اِلٰهَ اِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظ۪يمِ ﴾|﹜ حتى غدت هذه الآيةُ بمثابة سفينة أمان في مُنتهى السلام والاطمئنان. فدخلت الروحُ آمنةً مطمئنة في حمى هذه الآية الكريمة.. وفهمتُ في حينها أن هناك معنىً غير المعنى الصريح لهذه الآية الكريمة، وهو المعنى الإشاري. فلقد وجدتُ فيه سلواناً لروحي، حيث وهب لي الاطمئنان والسكينة.

نعم، إن المعنى الصريح للآية الكريمة يقول للرسول الكريم ﷺ: «إذا تولى أهل الضلالة عن سماع القرآن، وأعرضوا عن شريعتك وسنتك، فلا تحزن ولا تغتم، وقل حسبي الله، فهو وحدَه كافٍ لي، وأنا أتوكل عليه؛ إذ هو الكفيل بأن يقيّضَ مَن يتبعني بدلاً منكم، فعرشُه العظيم يحيط بكل شيء، فلا العاصون يمكنهم أن يهربوا منه، ولا المستعينون به يظلون بغير مَددٍ وعونٍ منه».

فكما أن المعنى الصريح لهذه الآية الكريمة يقول بهذا، فالمعنى الإشاري للآية الكريمة يقول: «أيها الإنسان، ويا من يتولى قيادةَ الإنسان وإرشادَه؛ لئن ودّعتك الموجوداتُ كلُّها وانعدمت ومضتْ في طريق الفناء.. وإن فارقَتك الأحياءُ وجرت إلى طريق الموت.. وإن

Yükleniyor...