أما الوجه الثالث: من قيام الإنسان بمهمة مرآة عاكسة لكمالات الصفات الإلهية فله وجهان:

إظهارُه بدائعَ الأسماء الإلهية الحسنى المتنوعة وتجلياتها المختلفة في ذاته. لأن الإنسان بمثابة فهرس مصغر للكون كله -بما يملك من صفات جامعة- وكأنه مثالُه المصغر، لذا فتجليات الأسماء الإلهية في الكون عامةً نراها تتجلى في الإنسان بمقياس مصغر.

الوجه الثاني: أداؤه مهمةَ المرآة العاكسة للشؤون الإلهية، أي إن الإنسان كما يشير بحياته إلى حياة «الحي القيوم» فإنه بوساطة ما ينكشف في حياته الذاتية من حواسَّ كالسمع والبصر وأمثالِها يفهم -ويبيّن للآخرين- صفاتِ السمع والبصر وغيرها من الصفات الجليلة المطلقة «للحي القيوم».

ثم إن الإنسان الذي يملك مشاعر دقيقة جداً وكثيرة جداً -وقد لا تنكشف ضمن حياته وإنما عندما يحفَّز أو يُثار- فتظهر تلك المشاعر بأشكالٍ متنوعة وانفعالات مختلفة، فإنه بوساطة هذه المشاعر الدقيقة والمعاني العميقة يؤدي مهمةَ عرض الشؤون الذاتية «للحي القيوم». فمثلاً: الحب والافتخار والرضى والانشراح والسرور وما شابهها من المعاني التي تتفجّر لدى الإنسان في ظروف خاصة، يؤدي الإنسان بها مهمةَ الإشارة إلى هذه الأنواع من الشؤون الإلهية بما يناسب قدسية الذات الإلهية وغناه المطلق وبما يليق به سبحانه وتعالى.

وكما أن الإنسان وحدةُ قياس -بما يملك من جامعية حياته- لمعرفة صفات الله الجليلة، وشؤونه الحكيمة، وفهرسٌ لتجلي أسمائه الحسنى، ومرآةٌ ذات شعور بجهات عدة لذات «الحي القيوم».. كذلك الإنسان هو وحدةُ قياس أيضاً لمعرفة حقائق الكون هذا، وفهرسٌ له ومقياسٌ وميزان. فمثلاً: إن الدليل القاطع على وجود اللوح المحفوظ في الكون يتمثل في نموذجه المصغر وهو القوة الحافظة لدى الإنسان. والدليل القاطع على وجود عالَم المثال نلمسه في نموذجه المصغر وهو قوة الخيال لدى الإنسان، (8) والدليل القاطع على وجود الروحانيات في

Yükleniyor...