إذن فالنظامُ الرصين في الكون، والانتظام الرائع في المخلوقات كافة، والموازنة الدقيقة بين الموجودات.. يظهر لنا التجليَ الأعظم لاسم الفرد ويشهد شهادةً واضحة على الوحدانية.

ثم إن أي مخلوق مهما كان صغيراً، إنما هو مثالٌ مصغر للكون كله ونموذجُه، وفهرسُه المختصر، بمقتضى تجلي الأحدية. فلا يكون مالكاً لذلك المخلوق الحي الصغير إلّا مَن كان بيده زمام الكون كله وله الأمر جميعاً. وحيث إن كل بذرة متناهية في الصغر ليست بأقلَّ إبداعاً في الخلق من شجرة ضخمة، وأن كل شجرة باسقة تضاهي في خلقها خلقَ الكائنات، وكل كائن حي صغير إنما هو بحكم عالَمٍ مصغّر وكونٍ صغير، فإن تجلي الأحدية هذا يجعل الشرك والاشتراك محالاً ممتنعاً.

ثم إن هذا الكون في ضوء هذا السر -سر الأحدية- ليس كلاً يستعصي على التجزئة وحدها، بل أيضاً هو كلّيٌّ من حيث الماهية، لا يقبل الانقسام والاشتراك والتجزئة وتدخّل الأيدي المتعددة قط. فإن كل جزء فيه بحكم جزئيٍّ وفردٍ منه، وكلُّ الكون هو بحكم الكلّي، فليس فيه موضع للاشتراك في أية جهة كانت.

فهذا التجلي الأعظم لاسم الفرد يثبت حقيقة التوحيد بهذا السر للأحدية، بدرجة البداهة.

نعم، كما أنَّ اندماجَ أنواعِ الكائنات واندغامَها فيما بينها، وتوجّهَ وظيفة كلٍّ منها إلى عموم الكائنات مثلما يجعل الكونَ كلاًّ واحداً يستعصي على التجزئة قطعاً، من حيث الخلق والربوبية. كذلك الأفعال العمومية المحيطة بالكائنات والتي تظهر أثارُها وفعالياتُها في الكائنات عموماً تجعل الكونَ أيضاً كلاًّ واحداً -من حيث تداخلها ببعضها- حتى يرفض التجزئةَ ويردّها ردّاً قوياً. ولتوضيح ذلك نسوق المثال الآتي:

حالما تُوهب الحياةُ للكائن يظهر فعلُ الإعاشة والإرزاق فيه مباشرة. وضمن أفعال الإعاشة والإحياء هذه، يشاهَد مباشرةً فعلُ تنظيمِ جسدِ ذلك الكائن وتنسيق أعضائه، وتجهيزه بما يحتاج ويلزم. وحينما تظهر أفعالُ الإعاشةِ والإحياء والتنظيم والتجهيز يفعل التصويرُ والتربية والتدبير فعلَه في الوقت نفسه.. وهكذا.

فتداخلُ أمثال هذه الأفعال المحيطة العامة بعضِها بالبعض الآخر، وإتحادُها ببعضها،


Yükleniyor...