واحد، بينما لو أُسنِد إلى الأسباب، فإن خلقَ كلّ فردٍ يكون مُعضلاً وصعباً كخلق النوع الواسع الكثير.

أجل، إن الوحدانية والتفرد تجعل كلَّ شيء منتسباً ومستنداً إلى الذات الإلهية الواحدة، ويصبح هذا الانتساب والاستناد قوةً لا حدّ لها لذلك الشيء، حتى يمكنه أن يُنجز من الأعمال الجسيمة، ويولّد من النتائج العظيمة ما يفوق قوتَه الذاتية ألوفَ المرات معتمداً على سر ذلك الاستناد والانتساب. أما الذي لا يستند ولا ينتسب إلى صاحب تلك القوة العظمى ومالكِها «الفرد الأحد» فسينجز من الأعمال ما تتحمله قوتُه الذاتية المحدودة جداً، وتنحسر نتائجُها تبعاً لذلك.

فمثلاً: إن الذي انتسب إلى قائد عظيم واستند إليه بصفة الجندية، يصبح له هذا الانتساب والاستناد بمثابة قوةٍ ممدّة لا تنفد، فلا يضطر إلى حمل ذخيرته وعتاده معه، لذا قد يُقدِم على أسر قائد جيش العدو المغلوب مع آلافٍ ممن معه، بينما السائب الذي لم ينخرط في الجندية، مضطرٌ إلى حمل ذخيرته وعتاده معه، ومهما بلغ من الشجاعة فلا يستطيع أن يقاوم بتلك القوة إلّا بضعةَ أفراد من العدو، وقد لا يثبت أمامهم إلّا لفترة قليلة.

ومن هنا نرى أن قوة الاستناد والانتساب -التي في الفردية والوحدانية- تجعل النملة الصغيرة تقدم على إهلاك فرعون عنيد، وتجعل البعوضة الرقيقة تجهز على نمرود طاغية، وتجعل الميكروب البسيط يدمر باغياً أثيماً.. كما تمدّ البذرة الصغيرة لتحمِل على ظهرها شجرة صنوبر باسقة شاهقة.. كل ذلك باسم ذلك الانتساب وبسر ذلك الاستناد.

نعم، إن قائداً عظيماً شهماً يستطيع أن يستنفر جميعَ جنوده ويحشّدهم لإنقاذ جندي واحد وإمداده، والجندي بدوره يستشعر كأن جيشاً جراراً يسنده ويمدّه بقوة معنوية عالية حتى تمكّنه من أن ينهض بأعمال جسام باسم القائد. فالله سبحانه وتعالى (وله المثل الأعلى) لأنه فرد واحد أحد، فلا حاجة في أية جهة إلى أحد غيره، وإذا افترضت الحاجة في جهة ما، فإنه يستنفر الموجودات كلها لإمداد ذلك الشيء وإسناده، فيحشر سبحانه الكون كله لأجله.

وهكذا يستند كلُّ شيء إلى قوة عظيمة هائلة تملك مقاليد الكون بأسره.. وهكذا يستمد

Yükleniyor...