وَتَألُّمٍ وَتَحَزُّنٍ شَديدٍ مِنْ هذِهِ الكَيفيَّةِ. فَلا حَولَ عَنْ هذِهِ الحَالَةِ الهَائِلَةِ؛ وَلا قُوَّةَ عَلى ما يُسَلِّيني عَمَّا يَحزُنُني، وَعَلى ما يُعَوِّضُني ما يَضيعُ مِنِّي، وَعَلى ما يَقُومُ مَقَامَ ما يَفُوتُ مِنِّي إلّا بِكَ يا رَبِّيَ الباقي، وَالباقي ببَقَائِهِ وَإبقائِهِ مَنْ تَمَسَّكَ بِاسمٍ مِنْ أسمائه الباقِيَةِ.

إلَهي! لِي وَلِكُلِّ ذي حَياةٍ خَوفٌ شَديدٌ مِنَ المَوتِ وَالزَّوالِ اللَّذَينِ لا مَفَرَّ مِنهُما؛ وَلِي مَحَبَّةٌ شَديدةٌ لِلحَياةِ وَالعُمْرِ اللَّذينِ لا دَوامَ لَهُما؛ مَعَ أنَّ تَسارُعَ المَوتِ إلى أجسامِنا بِهُجُومِ الآجالِ لا يُبقي لِي وَلا لأحَدٍ أمَلاً مِنَ الآمالِ الدُّنيَويَّةِ إلّا وَيَقطَعُها، وَلا لَذَّةً إلّا وَيَهْدِمُها. فَلا حَولَ عَنْ تِلكَ البَلِيَّةِ الهائِلَةِ وَلا قُوَّةَ عَلى ما يُسَلِّينَا عَنها إلّا بِكَ يا خَالِقَ المَوتِ وَالحَياةِ! وَيا مَنْ لَهُ الحَياةُ السَّرمَدِيَّةُ، الَّذي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَتَوجَّهَ إليه وَيَعرِفُهُ وَيُحِبُّهُ؛ تَدُومُ حَياتُهُ وَيَكُونُ المَوتُ لَهُ تَجَدُّدَ حَياةٍ وَتَبديلَ مَكانٍ. فإذًا فَلا حُزنَ لَهُ وَلا ألَمَ عَليهِ بِسِرِّ ﹛﴿ اَلَٓا اِنَّ اَوْلِيَٓاءَ اللّٰهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾|﹜ (يونس: ٦٢).

إلَهي! لِي لأجل نَوعي وَجِنسي عَلاقَاتٌ بِتَألُّماتٍ وَتَمَنِّياتٍ بِالسَّماوَاتِ وَالأرضِ وَبِأحوَالِها. فَلا قُوَّةَ لي بِوَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ عَلى إسماعِ أمري لَهُما، وَتَبليغِ أمَلي لِتِلكَ الأجرامِ، وَلا حَولَ عَنْ هذا الاِبتِلاءِ وَالعَلاقَةِ إلّا بِكَ يا رَبَّ السَّماوَاتِ وَالأرضِ! وَيا مَنْ سَخَّرَهُما لِعِبادِهِ الصَّالِحينَ.

إلَهي! لِي وَلِكُلِّ ذي عَقلٍ عَلاقَاتٌ مَعَ الأزمِنَةِ الماضِيَةِ وَالأوقاتِ الاستِقبَاليَّةِ؛ مَعَ أنَّنا قَدِ انْحَبَسْنَا في زَمانٍ حاضِرٍ ضَيّقٍ لا تَصلُ أيدِينا إلى أدنى زَمانٍ ماضٍ وَمُستَقبَلٍ لِجلبٍ مِنْ ذاكَ ما يُفرِّحُنا، أو لِدَفْعٍ مِنْ هذا ما يُحزِنُنا. فَلا حَولَ عَنْ هذِهِ الحالَةِ، وَلا قُوَّةَ عَلى تَحويلِها إلى أحسَنِ الحالِ إلّا بِكَ يا رَبَّ الدُّهُورِ وَالأزمَانِ.

إلَهي! لِي في فِطرَتي وَلِكُلِّ أحد في فِطرَتِهِمْ آمالٌ أبدية وَمَطالِبُ سَرمَديَّةٌ تَمْتَدُّ إلى أبَدِ الآبادِ. إذ قَد أوْدَعْتَ في فِطرَتِنَا استِعداداً عَجيباً جامِعاً، فيهِ احتياجٌ وَمَحَبَّةٌ لا يُشبِعُهُما الدُنيا وَما فيها، وَلا يَرضى ذلِكَ الاِحتِياجُ وَتِلكَ المَحَبَّةُ إلّا بِالجَنَّةِ الباقِيَةِ؛ ولا يَطمَئِنُّ ذلِكَ الاِستِعدادُ إلّا بِدارِ السَّعادَةِ الأبَديَّةِ. يا رَبَّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَيا رَبَّ الجَنَّةِ وَدَارِ القَرارِ. (28)

Yükleniyor...