آلاف شخص ، يمكن مقاومتُها -بسر ذلك الإخلاص- بعشرة أشخاص فقط. ولكن أقولها آسفاً: إننا لم نستطع وفي المقدمة أنا، أن نعملَ بموجب ذلك التنبيه المعنوي، فأخذتْنا هذه الآية الكريمة -بمعناها الإشاري- فابتليَ قسمٌ منا بلطمةِ تأديب ورحمة، بينما لم تكن لطمةُ تأديب لقسم آخر بل مدارَ سلوان لهم، وليكسبوا بها لأنفسهم الثواب.

نعم، إنني لكوني ممنوعاً عن الاختلاط منذ ثلاثة شهور لم أستطع أن أطلع على أحوال إخواني إلّا منذ ثلاثة أيام، فلقد صدر -ما لا يخطر ببالي قط- ممن كنتُ أحسبهم من أخلص إخواني أعمالٌ منافية لسر الإخلاص. ففهمتُ من ذلك أن معنىً إشارياً للآية الكريمة : ﹛﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ.... اَخَذْنَاهُمْ ﴾|﹜ يتوجه إلينا من بعيد.

إنَّ هذه الآية الكريمة التي نزلت بحق أهل الضلال مبعثَ عذاب لهم، هي لطمةُ رحمة وتأديب لنا؛ لتربية النفوس وتكفير الذنوب وتزييد الدرجات. والدليل على أننا لم نقدر قيمةَ ما نملك من نعمة إلهية حقّ قدرِها هو: أننا لم نقنع بخدمتنا القدسية برسائل النور المتضمنة لأقدس جهاد معنوي، ونالت الولاية الكبرى بفيض الوراثة النبوية وهى مدار سرّ المشرب الذي تحلى به الصحابة الكرام. وأن الشغف بالطرق الصوفية التي نفعُها قليل لنا في الوقت الحاضر، واحتمال إلحاقها الضررَ بوضعنا الحالي ممكن، قد سُدّ أمامَه بتنبيهي الشديد عليه.. وإلّا لأفسدَ ذلك الهوى وحدتَنا، وأدّى إلى تشتت الأفكار الذي ينزل قيمة الترابط والتساند من ألف ومائة وأحد عشر الناشئة من اتحاد أربعة آحاد، ينزلها إلى قيمة أربعة فحسب، وأدّى إلى تنافر القلوب الذي يبدّد قوتنا إزاء هذه الحادثة الثقيلة ويجعلها أثراً بعد عين.

أورد الشيخ سعدي الشيرازي(∗) صاحب كتاب «كلستان» ما مضمونه:

«لقد رأيت أحد المتقين من أهل القلب في زاوية «التكية» يزاول السير والسلوك، ولكن بعد مضى بضعة أيام شاهدتُه في المدرسة بين طلاب العلوم الشرعية، فسألته: لِمَ تركت الزاوية التي تفيض الأنوار وأتيت إلى هذه المدرسة؟ قال: هؤلاء النجباء ذوو الهمم العالية يسعون لإنقاذ الآخرين مع إنقاذهم لأنفسهم بينما أولئك يسعون لإنقاذ أنفسهم وحدَها إن وفّقوا لها. فالنجابة وعلو الهمة لدى هؤلاء والفضيلة والهمة عندهم، ولأجل هذا جئت إلى هنا». هكذا سجل الشيخ سعدي خلاصة هذه الحادثة في كتابه «كلستان».

Yükleniyor...