بالنسبة لي على ما يرام، حيث إن ابن أخي «عبد الرحمن» -رحمه الله- معي، وهو في منتهى الذكاء والفطنة، فهو تلميذ ومضحٍّ وخادم وكاتب معاً، حتى كنت أعدّه ابناً معنوياً لي.
وبينما كنت أحس بأني أسعد إنسان في العالم، نظرتُ إلى المرآة، ورأيت شعيرات بيضاء في رأسي وفي لحيتي، وإذا بتلك الصحوة الروحية التي أحسست بها في الأسر في جامع «قوصترما» تبدأ بالظهور. فأخذتُ أنعم النظر وأفكر مدققاً في تلك الحالات التي كنت ارتبط بها قلبياً، وكنت أظنها أنها هي مدار السعادة الدنيوية. فما من حالة أو سبب دققت النظر فيه، إلّا رأيت أنه سبب تافه وخادع، لا يستحق التعلق به، ولا الارتباط معه. فضلاً عن ذلك وجدت في تلك الأثناء عدم الوفاء وفقدان الصداقة من صديق حميم، يُعدّ من أوفى الأصدقاء لي، وبشكل غير متوقع وبصورة لا تخطر على بال.. كل ذلك أدى إلى النفرة والامتعاض من الحياة الدنيا، فقلت لقلبي:
- يا تُرى هل أنا منخدع كلياً؛ فأرى الكثيرين ينظرون إلى حياتنا التي يُرثى لها من زاوية الحقيقة نظرَ الغبطة؟ فهل جُنَّ جنون جميع هؤلاء الناس؟ أم أنا في طريقي إلى الجنون، لرؤيتي هؤلاء المفتونين بالدنيا مجانينَ بُلهاء؟! وعلى كل حال.. فالصحوة الشديدة التي صحوتها برؤية الشيب جعلتني أرى أولاً: فناء ما أرتبط به من الأشياء المعرّضة للفناء والزوال!!
ثم التفتّ إلى نفسي، فوجدتُها في منتهى العجز!.. عندها صرختْ روحي وهي التي تنشد البقاء دون الفناء وتتشبث بالأشياء الفانية متوهمةً فيها البقاء، صرخت من أعماقها: «مادمتُ فانيةً جسماً فأي فائدة أرجوها من هذه الفانيات؟ وما دمتُ عاجزةً فماذا انتظر من العاجزين؟.. فليس لدائي دواءٌ إلّا عند الباقي السرمدي، عند القدير الأزلي» فبدأت أبحث وأستقصي.. راجعت أولَ ما راجعت، تلك العلوم التي اكتسبتها سابقاً، أبحث فيها السلوة والرجاء. ولكن كنت -ويا للاسف- إلى ذلك الوقت مغترفاً من العلوم الإسلامية مع العلوم الفلسفية ظناً مني -ظناً خطأً جداً- أن تلك العلوم الفلسفية هي مصدرُ الرُّقي والتكامل ومحور الثقافة وتنوّر الفكر، بينما تلك المسائل الفلسفية هي التي لوثَت روحي كثيراً، بل أصبحت عائقةً أمام سموي المعنوي.
نعم، بينما كنت في هذه الحالة، إذا بحكمة القرآن المقدسة تسعفني، رحمةً من العلي
وبينما كنت أحس بأني أسعد إنسان في العالم، نظرتُ إلى المرآة، ورأيت شعيرات بيضاء في رأسي وفي لحيتي، وإذا بتلك الصحوة الروحية التي أحسست بها في الأسر في جامع «قوصترما» تبدأ بالظهور. فأخذتُ أنعم النظر وأفكر مدققاً في تلك الحالات التي كنت ارتبط بها قلبياً، وكنت أظنها أنها هي مدار السعادة الدنيوية. فما من حالة أو سبب دققت النظر فيه، إلّا رأيت أنه سبب تافه وخادع، لا يستحق التعلق به، ولا الارتباط معه. فضلاً عن ذلك وجدت في تلك الأثناء عدم الوفاء وفقدان الصداقة من صديق حميم، يُعدّ من أوفى الأصدقاء لي، وبشكل غير متوقع وبصورة لا تخطر على بال.. كل ذلك أدى إلى النفرة والامتعاض من الحياة الدنيا، فقلت لقلبي:
- يا تُرى هل أنا منخدع كلياً؛ فأرى الكثيرين ينظرون إلى حياتنا التي يُرثى لها من زاوية الحقيقة نظرَ الغبطة؟ فهل جُنَّ جنون جميع هؤلاء الناس؟ أم أنا في طريقي إلى الجنون، لرؤيتي هؤلاء المفتونين بالدنيا مجانينَ بُلهاء؟! وعلى كل حال.. فالصحوة الشديدة التي صحوتها برؤية الشيب جعلتني أرى أولاً: فناء ما أرتبط به من الأشياء المعرّضة للفناء والزوال!!
ثم التفتّ إلى نفسي، فوجدتُها في منتهى العجز!.. عندها صرختْ روحي وهي التي تنشد البقاء دون الفناء وتتشبث بالأشياء الفانية متوهمةً فيها البقاء، صرخت من أعماقها: «مادمتُ فانيةً جسماً فأي فائدة أرجوها من هذه الفانيات؟ وما دمتُ عاجزةً فماذا انتظر من العاجزين؟.. فليس لدائي دواءٌ إلّا عند الباقي السرمدي، عند القدير الأزلي» فبدأت أبحث وأستقصي.. راجعت أولَ ما راجعت، تلك العلوم التي اكتسبتها سابقاً، أبحث فيها السلوة والرجاء. ولكن كنت -ويا للاسف- إلى ذلك الوقت مغترفاً من العلوم الإسلامية مع العلوم الفلسفية ظناً مني -ظناً خطأً جداً- أن تلك العلوم الفلسفية هي مصدرُ الرُّقي والتكامل ومحور الثقافة وتنوّر الفكر، بينما تلك المسائل الفلسفية هي التي لوثَت روحي كثيراً، بل أصبحت عائقةً أمام سموي المعنوي.
نعم، بينما كنت في هذه الحالة، إذا بحكمة القرآن المقدسة تسعفني، رحمةً من العلي
Yükleniyor...