وعلى ألوهيته المهيمنة، وعلى صدور كل شيء من يد قدرته، وعلى أن مقاليد السماوات والأرض بيده سبحانه وتعالى.

فيا عابد الأسباب! أيها المسكين المفتون بالطبيعة!

ما دامت طبيعةُ كل شيء مخلوقة كالشيء نفسه، لأن تكونَها محدَثٌ -غير قديم- وعليها علامةُ الصنعة والإتقان، وأن سبب وجود هذا الشيء الظاهري هو أيضاً مصنوعٌ حادثٌ. ولما كان وجود أي شيء مفتقراً إلى وسائلَ وآلات وأجهزة كثيرة جداً..

فلابُدّ من قدير مطلق القدرة ليخلق تلك الطبيعة في الشيء، ويُوجِد ذلك السبب له، ولا بد أن يكون -هذا القدير المطلق القدرة- مستغنياً غناءً مطلقاً، فلا يشرك الوسائط العاجزة في إيجاده للشيء وفي هيمنة ربوبيته عليه.

فحاشَ لله أنْ يكون سواهُ القدير المستغني المتعال، بل هو سبحانه وتعالى يخلق المسبّب والسبب معاً من علوّه خلقاً مباشراً، ويوجِد بينهما سببية ظاهرية وصورية، ويقرن بينهما من خلال ترتيب وتنظيم، جاعلاً من الأسباب والطبيعة ستاراً ليد قدرته الجليلة، وحجاباً لعظمته وكبريائه، ولتبقى عزتُه منزّهةً مقدسة في عليائها، ويجعل تلك الأسباب موضعَ الشكوى لما يتراءى من نقائص، ولما يتصور من ظلم ظاهري في الأشياء.

أيهما أسهل على الفهم، وأقرب معقوليةً إلى الذهن: تصور «ساعاتي» يصنع تروس الساعة ومعداتها، ثم ينظمها على وفق ترتيب تروسها، ويوازن بين حركات عقاربها بدقة متناهية، أم أن نتصور الساعاتي يصنع في تروس الساعة وعقاربها ودقيق آلاتها ماكنة خارقة الفِعال يُسلّمُ صنع الساعة إلى جمادية أيديها؟! قل معي: أليس هذا كلاماً فارغاً ومحالاً وخارجاً عن حدود الإمكان؟ فهيا خاطب أنت عقلك المجحف وكُنْ أنت القاضي والحَكم.

وأيهما يكون مُستساغاً ومقبولاً في منطق العقل: تصور كاتب يخط كتاباً بنفسه بعد أن يحضر لوازم الكتابة؛ من مِداد وقلم وورق، أم تصور إيجاد ذلك الكاتب مطبعة خاصة بذلك الكتاب وهي أعقد وأدق من الكتاب نفسه يترك لها أمر كتابة هذا الكتاب فيخاطبها قائلاً: هيا اشرعي أنت بكتابة الكتاب.. من دون تدخل من قبله؟

Yükleniyor...