يا إخوتي!

لما كان مسلكنا في خدمة القرآن الكريم مبنياً على الحقيقة وعلى الأخوة، وأن سر الأخوة هو في إفناء الفرد شخصيته في شخصية إخوانه (6) وإيثارهم على نفسه، فما ينبغي أن يؤثر فينا مثل هذا الحسد الناجم من حُب الجاه، حيث هو مناف كلياً لمسلكنا. إذ مادامت كرامةُ جميع الإخوان وشرفهم تعود إلى كل أخ في الجماعة، فلا يمكن أن تُضحّى بتلك المنزلة الرفيعة والكرامة الفائقة والشرف المعنوي السامي للجماعة، لأجل شهرة جزئية وعزة شخصية ناجمة من الأنانية والحسد.. فأنا على ثقة وآمل أن ذلك بعيد كل البعد عن طلاب النور.

نعم، إن قلوب طلاب النور وعقولَهم وأرواحهم لا تنحدر إلى مثل هذه الأمور السافلة، إلّا أنه ما من أحد إلّا يحمل نفساً أمارة بالسوء، فقد تسري أمورٌ ونوازع نفسانية في العروق وتتعلق بالأعصاب وتجري أحكاماً برغم العقل والقلب والروح. فاعتماداً على ما تتركه «رسائل النور» فيكم من آثار، فلا أتهم قلوبَكم وعقولكم وأرواحكم. إلّا أن النفس والهوى والحس والوهم قد يُخدع؛ لذا يأتيكم التحذير والتنبيه أحياناً بشدة وعنف. فتلك الشدة موجهةٌ إلى النفس والهوى والحس والوهم، فكونوا على حذر دائماً.

نعم لو كان مسلكنا طريقة خاصة ومشيخة، لكان إذن مقام واحد، أو عدد محدود منه، ولكان مرشحون كثيرون لذلك المقام. وعندها كان يمكن أن تحدث المنافسة والأنانية في النفوس. ولكن مسلكنا هو الأخوة، لا غير. فلا يدّعي الأخ على أخيه الأبوة، ولا يتزيَّ بزي المرشد له. فالمقام هنا في الأخوة فسيح واسع، لا مجال فيه للمزاحمة بالمنافسة، وإن كان لابد فالأخ معاون لأخيه مكمّل لعمله، وظهير له.

ومما يدل على أن في المسالك التي فيها مقام الأبوة والإرشاد والأستاذية نتائج خطرة مهلكة تنجم من المنافسة والحسد حرصاً على الثواب وتطلعاً إلى علو الهمة، أقول إن الدليل على ذلك هو تلك الاختلافات والمشاحنات الدائرة في ثنايا المزايا الجليلة والمنافع العظيمة التي يتمتع بها أهل الطرق الصوفية، والتي أدّت بهم إلى نتائج وخيمة جعلت قواهم السامية الهائلة لا تثبت أمام أعاصير البدع.

Yükleniyor...