الباطل، ويخلصون في ضلالهم، ويبدون ثباتاً وإصراراً على إلحادهم، ويتفقون في نفاقهم، فلأجل هذا يوفّقون في عملهم، لأن الإخلاص التام ولو كان في الشر لا يذهب سُدىً، ولا يكون دون نتيجة. فما من سائل يسأل بإخلاص أمراً إلّا قضاه الله له. (5)

أما أهل الهداية والدين وأصحاب العلم والطريقة فلأنهم يستندون إلى الحق والحقيقة، ولأن كلاً منهم أثناء سيره في طريق الحق لا يرجو إلّا رضى ربه الكريم ويطمئن إليه كل الاطمئنان، وينال عزة معنوية في مسلكه نفسه، إذ حالما يشعر بضعف ينيب إلى ربه دون الناس، ويستمد منه وحده القوة، زد على ذلك يرى أمامه اختلاف المشارب مع ما هو عليه، لذا تراه لا يستشعر بدواعي التعاون مع الآخرين بل لا يتمكن من رؤية جدوى الاتفاق مع مخالفيه ظاهراً ولا يجد في نفسه الحاجة إليه. وإذا ما كان ثمة غرورٌ وأنانية في النفس يتوهم المرء نفسه محقاً ومخالفيه على باطل فيقع الاختلاف والمنافسة بدل الاتفاق والمحبة، وعندها يفوته الإخلاصُ ويحبط عمله ويكون أثراً بعد عين.

والعلاج الوحيد لهذه الحالة والحيلولة دون رؤية نتيجتِها الوخيمة هو في تسعة أمور آتية:

١ - العمل الإيجابي البنّاء، وهو: عملُ المرء بمقتضى محبته لمسلكه فحسب، من دون أن يرد إلى تفكيره، أو يتدخل في علمه عداءُ الآخرين أو التهوينُ من شأنهم، أي لا ينشغل بهم أصلاً.

٢ - بل عليه أن يتحرى روابط الوحدة الكثيرة التي تربط المشارب المعروضة في ساحة الإسلام -مهما كان نوعها- والتي ستكون منابع محبة ووسائل أخوة واتفاق فيما بينها فيتفق معها.

٣ - واتخاذ دستور الإنصاف دليلاً ومرشداً، وهو: أن صاحبَ كل مسلك حق يستطيع القول: «إن مسلكي حق وهو أفضل وأجمل» من دون أن يتدخل في أمر مسالك الآخرين، ولكن لا يجوز له أن يقول: «الحق هو مسلكي فحسب» أو «أن الحسن والجمال في مسلكي وحده» الذي يقضي على بطلان المسالك الأخرى وفسادها.


Yükleniyor...