درجات الحيوان وحضيضها، ولا علاج لك أمام هذا الداء الوبيل إلّا ملاهيكِ الجذابة التي تدفع إلى إبطال الحسّ وتخدير الشعور مؤقتاً، وكمالياتُكِ المزخرفة وأهواؤك المنوِّمة... فتعساً لكِ ولدوائكِ الذي يكون هو القاضي عليك.. نعم، إن ما فتحتيه أمام البشرية من طريق، يشبه هذا المثال المذكور.

أما الطريق الثاني فهو ما أهداه القرآن الكريم من هديةٍ إلى البشرية، فهداهم إلى الصراط السوي، فنحن نرى في كل منزلٍ من منازل هذا الطريق، وفي كل موضع من مواضعه، وفي كل مدينة تقع عليه، جنوداً مطيعين أُمناء لسلطانٍ عادل، يتجولون في كل جهة ينتشرون في كل ناحية، وبين فينة وأخرى يأتي قسمٌ من مأموري ذلك الملك العادل وموظفيه فيُعفي بعضَ أولئك الجنود من وظائفهم بأمر السلطان نفسِهِ ويتسلم منهم أسلحتهم ودوابّهم ومعدّاتهم الخاصة بالدولة ويسلّم إليهم بطاقة الإعفاء. وهؤلاء المعفون يبتهجون ويفرحون -من زاوية الحقيقة- على إعفائهم فرحاً عظيماً لرجوعهم إلى السلطان وعودتهم إلى دار قرار سلطنته، والمثول بزيارته الكريمة، مع أنهم يحزنون في ظاهر الأمر على ما أُخذ منهم من دابة ومعدات ألِفوها.. ونرى أيضاً أنه قد يلتقي أولئك المأمورون مَن لا يعرفهم من الجنود، فعندما يخاطبونه: أَنْ سلِّمْ سلاحَك! يردّ عليهم الجندي: أنا جنديٌ لدى السلطان العظيم وتحت أمره وفي خدمته، وإليه مصيري ومرجعي، فمن أنتم حتى تسلبوا مني ما وهبني السلطانُ العظيم؟ فإن كنتم قد جئتم بإذنه ورضاه فعلى العين والرأس فأروني أمره الكريم، وإلّا تنحَّوا عني، فلأقاتلنّكم ولو كنت وحدي وأنتم أُلوف، إذ لا أقاتل لنفسي لأنها ليست لي، بل أقاتل حفاظاً على أمانة مالكي ومولاي وصيانةً لعزته وعظمته. فأنا لا أرضخ لكم!.

فدونك مثالاً واحداً من ألوف الأمثلة على ما في هذا الطريق الثاني من مصدر فرح ومدار سعادة. فانسج على منواله.

وعلى طول الطريق الثاني، وطوال مدة السفرة كلها نرى سَوقاً إلى الجندية، يتم في فرح وابتهاج وسرور.. تلك هي التي تسمى ب«المواليد». وهناك إعفاءات ورُخَص من الجندية، تتم في فرح وحبور أيضاً، وسط تهليل وتكبير.. تلك هي التي تسمى ب«الوفيات».

هذا هو الذي أهداه القرآن الكريم للبشرية، فمن اهتدى به فقد سعد في الدارين

Yükleniyor...