ولكن مع الأسف يُبتلى جمعٌ من قصيري النظر -من السذج الذين لا يملكون موازين- بالتردد والانهزام، فيصيب عقيدتَهم الخللُ بقولهم: لو أنّ أهلَ الحق على صِدقٍ وصواب لما كان ينبغي أن يُغلَبوا ولا يُذَلّوا إلى هذا الحد. إذ الحقيقةُ قوية وإن القاعدة الأساسية هي: (الحق يعلو ولا يُعلى عليه) (10) ولو لم يكن أهلُ الباطل -الذين يصدّون ويغلبون أهل الحق- على قوة حقيقية وقاعدة رصينة ونقطة استناد متين، لما كانوا يَغلبون أهل الحق ويتفوقون عليهم إلى هذه الدرجة.

وجواب ذلك: لقد أثبتنا في الإشارات السابقة إثباتاً قاطعاً أن انهزام أهل الحق أمام أهل الباطل لا يتأتى من أنهم ليسوا على حقيقة ولا من أنهم ضعفاء، وأن انتصار أهل الضلالة وتغلّبهم ليس ناشئاً من قوتهم ولا من وجود مستندٍ لهم. فمضمون تلك الإشارات السابقة بأجمعها هو جوابُ هذا السؤال، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى دسائسهم وشيء من أسلحتهم المستعملة.

لقد شاهدتُ مراراً بنفسي أن عشرةً في المائة من أهل الفساد يَغلِبون تسعين في المائة من أهل الصلاح. فكنت أحارُ في هذا الأمر، ثم بإمعان النظر فيه، فَهمتُ يقيناً أن ذلك التغلب والسيطرة لم يَكُ ناتجاً من قوة ذاتية ولا من قدرة أصيلة يمتلكها أهلُ الباطل، وإنما من طريقتهم الفاسدة، وسفالتهم ودناءتهم، وعملهم التخريبي، واغتنامهم اختلاف أهل الحق وإلقاء الخلافات والحزازات فيما بينهم، واستغلال نقاط الضعف عندهم والنفث فيها، وإثارة الغرائز الحيوانية والنفسانية والأغراض الشخصية عندهم، واستخدامهم الاستعدادات المضرّة التي هي كالمعادن الفاسدة الكامنة في سبيكة فطرة الإنسان، والتربيت على فرعونية النفس باسم الشهرة والرتبة والنفوذ.. وخوف الناس من تخريباتهم الظالمة المدمّرة... وأمثال هذه الدسائس الشيطانية يتغلبون بها على أهل الحق تغلباً مؤقتاً. ولكن هذا الانتصار الوقتي لهم لا قيمة له ولا أهمية أمام بشرى الله تعالى: ﹛﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ (الأعراف:١٢٨) والسر الكامن في (الحقُ يعلو ولا يُعلى عليه) . إذ يصبح سبباً لدخولهم النار وفوز أهل الحق بالجنّة.


Yükleniyor...