نعم، إن الدليل القاطع على وجود شياطين الجنّ هو وجود شياطين الإنس.

ثانياً: إن مئات الدلائل القطعية في «الكلمة التاسعة والعشرين» لإثبات وجود الملائكة والعالم الروحاني، هي بدورها دلائل لإثبات وجود الشياطين أيضاً. نحيل إليها.

ثالثاً: إن وجود الملائكة الذين هم بحكم الممثلين والمشرفين على ما في أمور الخير الموجودة في الكون من قوانين كما أنه ثابت باتفاق الأديان، كذلك وجود الشياطين والأرواح الخبيثة الذين هم ممثلو الأمور الشريرة والمباشرون لها وتدور حولهم قوانينُها، فإنه قطعي الثبوت حكمةً وحقيقةً. بل قد يكون وجود سببٍ وستارٍ مستتر من كائن ذي شعور في ممارسة الأمور الشريرة أكثر ضرورةً، وذلك لعجز كل شخص عن أن يرى الحُسنَ الحقيقي لجميع الأمور، كما ذكرنا في مستهل «الكلمة الثانية والعشرين». فلأجل ألّا تحدّثه نفسُه باعتراضٍ على أمور الخالق سبحانه بما يُتوهم من نقصٍ أو شرّ ظاهريين، ويتهم رحمتَه أو ينتقد حكمتَه أو يشكو بغير حقٍ، جعل الخالقُ الكريم الحكيم العليم وسائطَ وأسباباً ظاهرية مادية ستاراً لأمور قَدَره، وحُجُباً لتتوجه إليها الاعتراضات والانتقادات والشكاوى، ولا تتوجه إليه سبحانه وتعالى. فقد جعل الأمراضَ والمصائب مثلاً أسباباً وستاراً للأجل، لكي لا تتوجه الاعتراضات وتصل إلى مَلَك الموت «عزرائيل عليه السلام». وجعل مَلَكَ الموت نفسه حجاباً لقبض الأرواح، لئلا تتوجه الشكاوى والانتقادات الناتجة من الأمور التي يُتوهم أنها بغير رحمة إليه سبحانه وتعالى.. وهكذا وبقطعية أكثر اقتضت الحكمةُ الرّبانية وجودَ الشياطين لتتوجه إليهم الاعتراضاتُ الناشئة من الشرور والأضرار والفساد.

رابعاً: كما أن الإنسان عالمٌ صغير، كذلك العالمُ إنسان كبير، فهذا الإنسان يمثّل خلاصة الإنسان الكبير وفهرسه، فالنماذجُ المصغّرة في الإنسان لابد أن أصولَها الكبيرة المعظمة موجودةٌ في الإنسان الأكبر بالضرورة.

فمثلاً: إنَّ وجود القوة الحافظة في الإنسان دليلٌ قطعي على وجود اللوح المحفوظ في العالم. وكذلك يشعر كلٌّ منا ويحسّ أن في قرارة نفسه وفي زاوية من زوايا قلبه آلةً وعضواً للوسوسة وهي اللمّة الشيطانية التي هي لسانُ شيطانٍ يتكلم بتلقينات القوة الواهمة، هذه القوة قد تحولت بفسادها إلى شيطان مصغر، لأنها لا تتحرك إلّا ضدَّ اختيار الإنسان وإرادته

Yükleniyor...