النقطة الثالثة: وهي عبارة عن نكتتين:

أولاهما: أن قسما من الأحاديث المروية على صورةِ تشبيهات وتمثيلات تَلَقّاه العوامُ بمرور الزمن حقائقَ ماديةً، لذا لا يبدو في نظرهم مطابقا لواقع الحال، على الرغم من أنه حقيقة ثابتة.

مثلا: إن المَلَكين اللذين هما من حَمَلة الأرض -كما للعرش حملتُه- اللذين على صورة «الثور» و«الحوت» وسُمّيا باسمهما (5) قد تَصورَهما العوام ثورا ضخما حقيقيا وحوتا هائلا حقيقيا!

ثانيتهما: أن قسما من الأحاديث قد ورد من حيث كثرة المسلمين في تلك المنطقة، أو من حيث وجود الحكومة الإسلامية هناك، أو من حيث مركز الخلافة الإسلامية، لكنه ظُنَّ أنه شاملٌ لجميع المسلمين، ولجميع أنحاء العالم، وعلى الرغم أنه خاص من جهة، إلّا أنه تُلقِّي كليا وعاما.

فمثلا: ورد في الحديث الشريف: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله.. الله» (6) أي ستُغلق أبوابُ أماكن الذكر، وسيُنادى بالأذان وبإقامة الصلاة بالتركية.

النقطة الرابعة

مثلما حُجبت أمورٌ غيبية كالأجل والموت لحِكَم ومصالحَ شتى، فإن القيامة -التي هي سكراتُ موتِ الدنيا وأجلُ البشرية وموت الحيوان- قد أُخفيت كذلك لمصالح كثيرة. إذ لو كان الأجل معينا وقتُه، لاختلّت الموازنةُ بين الخوف والرجاء، تلك الموازنة المبنية على مصالحَ وحكَمٍ؛ إذ كان نصفُ العمر يمضي في غفلة مطبقة، يعقبه خوفٌ رهيب كمن يُساق خطوة خطوة نحو المشنقة.

وأجل الدنيا وسكراتُها أي القيامة يشبه هذا تماما، إذ لو كان وقتُها معينا، لكانت القرون الأولى والوسطى غير متأثرة بفكرة الآخرة إلّا قليلا ولا تنفعل بها إلّا جزئيا،

Yükleniyor...