نحصل مما سبق: أن إيجادَ جميع الصور المنتظمة لجميع الموجودات وفتحَها من مادة بسيطة -بحقيقة الفتاحية التي هي محيطة- يُثبت الوحدة بداهة.. وأن تربية جميع الأحياء كذلك التي أتت إلى الوجود ودخلت الحياة الدنيا وبخاصة القادمين الجدد -بحقيقة الرحمانية التي تحيط بكل شيء- تربيةً في غاية الانتظام، وإيصالَ لوازم حياتها وتوفيرها لها دون نسيانِ أحدٍ، وشمولَ الرحمة نفسها ووصولها إلى كل فرد في كل مكان وفي كل آن، تُظهرُ الوحدة بداهة، وتُري الأحدية في تلك الوحدة كذلك.

وحيث إن رسائل النور هي من مظاهر اسمَي «الحكيم» و«الرحيم» من الأسماء الحسنى وأن إيضاح لطائف «حقيقة الرحمة» وتجلياتها مع إثباتها قد وردَ في مواضع عدة من الرسائل. لذا اقتصرنا هنا على الإشارة إليها بهذه القطرة من ذلك البحر الواسع.

وما رآه صاحبنا السائح وشاهده في المنزل الثالث هو:

الحقيقة الثالثة: وهي حقيقة «التدبير والإدارة»

أي حقيقة إدارة الإجرام السماوية وهي في منتهى السرعة والضخامة، وإدارةِ العناصر وهي في منتهى الاختلاط والتشابك، وإدارةِ المخلوقات الأرضية وهي في منتهى الحاجة والضعف، إدارةً تتسم بكمال الانتظام والموازنة ويسعى بعضُها لمعاونة البعض الآخر، رغم اختلاطها وامتزاجها ببعض. أي هي حقيقةُ النظر في إدارة أمورها جميعا وجَعْل هذا العالم العظيم كأنه مملكة كاملة، ومدينة رائعة ضخمة، وقصر منيف مزين.

وسنأخذ هنا صورةً واحدة مقتضبة لجريان تلك الإدارة وسريانها على صفحة واحدة من سطح الأرض وفي صحيفة واحدة في الربيع، تاركين تلك الدوائر الجبارة والصحائف الواسعة التي تتقطر رحمةً. نظرا لأنها قد وضحت وأُثبتت في رسائل مهمة من رسائل النور ك«الكلمة العاشرة» وسنبينها بمثال على النحو الآتي:

إذا قام شخص عظيم خارق بتشكيل جيش من أربعمائة ألف أمةٍ وطائفة مختلفة، ووفّر ما يخص كل جندي من تلك الأمم والطوائف المختلفة من الملابس والأسلحة والأرزاق والتعليمات والإعفاءات والخدمات المختلفة المتنوعة جدا، وجهّزهم بالأجهزة المختلفة دون أدنى نقص أو قصور أو خطأ، وزوّدهم بها في أوانه دون أدنى تأخير أو خلط وبكمال الانتظام،


Yükleniyor...