والكرام الكاتبون واقفون على منكِبَي الإنسان ليُظهروه في مَشاهِدَ أبدية، وليصوروا أعمالَه في مناظرَ خالدة، ليكافَأَ أصحابها ولينالوا الجوائز الثمينة الدائمة.. ولقد تلذذتُ من طعوم هذه الثمرة بلذائذ حلوة لا أستطيع أن أصفها.

وعندما جردني أهلُ الضلالة من أسباب الحياة الاجتماعية، وأبعدوني عن كتبي وأحبتي وخدمي وكل ما كان يمنحني السلوان، وألقوني في ديار الغربة والوحشة، وكنت في ضيقٍ وضجر من حالي إلى درجة كنت أشعر أن الدنيا الفارغة ستتهدم على رأسي.. فبينما أنا في هذه الحالة إذا بثمرة من ثمرات الإيمان بالملائكة تأتي لإغاثتي، فتضئ أرجاء دنياي كلها، وتنور العالم من حولي، وتعمّره بالملائكة وتؤهله بالأرواح الطيبة حتى دب السرور والبهجة في كل مكان. (9) وأرتني كذلك كم كانت دنيا أهل الضلالة ملآى بصرخات الوحشة وحسرات العبث والظلام..

فبينما كان خيالي فرحا جذلا بالتمتع بلذة هذه الثمرة، إذا به يتسلم ثمرة من الثمار الوفيرة -الشبيهة بهذه- من الإيمان بالرسل عليهم السلام، فذاقها فعلا، وأحسست توا أنَّ إيماني قد تَوسَّعَ ونما وانبسط حتى أصبح كليا شاملا، إذ أشرقت لديَّ تلك الأزمنة الغابرة كلها واستضاءت بنور التصديق والإيمان بهم، حتى كنت أشعر كأنني أعيش معهم، وبات كلُّ نبي من الأنبياء يصدِّق بآلاف التصديق على أركان الإيمان التي جاء بها ودعا إليها خاتمهم ﷺ، مما أخرس الشيطانَ وأسكته..

ثم قفز إلى القلب السؤالُ ذو الجواب الشافي الواردُ في لمعةِ «حكمة الإستعاذة» وهو: أنَّ أهل الإيمان الذين لهم مثل هذه الثمرات للإيمان، ومثل هذه الفوائد والنتائج اللذيذة ذاتِ الطعوم غير المحدودة، ولهم النتائج الجميلة الطيبة للحسنات ومنافعها الكثيرة، ولهم العناية الدائمة من «أرحم الراحمين» وتوفيقه ورحمته.. كل ذلك يمنحهم القوة والإسناد، فلِمَ إذن يتغلب أهل الضلالة غالبا عليهم، بل قد يتغلب عشرون من أهل الضلالة على مائة منهم، ويهلكونهم؟! وفي ثنايا هذا التفكير خطر لي: لِمَ يحشّد القرآن الكريم هذا الحشد العظيم لأهل الإيمان بذكر إمداد الله إياهم بالملائكة وهم يواجهون دسائس شيطانية واهية ضعيفة؟..

Yükleniyor...