ولكني رأيت أن الكائن الحي على الرغم مما له من مثل هذه الفوائد والنتائج فإنه يدَع روحَه في موضعه -إن كان ذا روح- ويترك صورتَه وهويته في الأذهان وسائر الألواح المحفوظة، ويضع قوانينَ ماهيته ونوعا من حياته المستقبلية في بذوره وبويضاته، ويُودع مزايا الكمال والجمال التي عَكَسها كالمرآة، يودعها في عالَم الغيب ودائرة الأسماء. وبعد كل هذا يدخل تحت ستار الزوال فرحا جذلا بموتٍ ظاهري -يعني التسريح من الوظائف- ويستتر عن الأنظار الدنيوية وحدَها!

نعم، هكذا رأيت ماهيةَ الكائن الحي فقلت من الأعماق: «الحمد لله..».

فهذه الأنواع من الجمال والضروبُ من الحسن المشاهَدة في جميع طبقات الكون وفي جميع أنواع الطوائف والممتدة عروقُها في كل الأرجاء والتي لها أسس عريقة قوية لا نقصَ فيها ولا قصورَ، وهي في منتهى السطوع والبهاء.. لاشك أنها تبين أن ما يقتضيه الشرك -كما هو في الوضع الأول- من قبح مشين ودمامةٍ مُنفرة محالٌ وموهومٌ قطعا. لأن جمالا بهذا العمق في وجود الكون لا يمكن أن يستتر تحتَه قبحٌ مشين إلى هذه الدرجة المخيفة، بل لا يمكن أن يوجد أصلا. ولو وُجد فذلك الجمالُ إذن لا حقيقة له ولا أصل، وهو واهٍ وهمي.

بمعنى أنه لا حقيقةَ للشرك إطلاقا، وطريقُه مسدود، بل لا يجد له موضعا إلّا في المستنقعات الآسنة، فحكمُه محالٌ وممتنع. وقد وضحت هذه الحقيقة الإيمانية المذكورة وهي حقيقة شعورية في عديد من رسائل «سراج النور» بالتفصيل. لذا نكتفي هنا بهذه الإشارة المختصرة.

ثمرة التوحيد الثالثة

هذه الثمرة متوجهة إلى ذوي الشعور، ولاسيما إلى الإنسان.

نعم، إن الإنسان بسر التوحيد، صاحبُ كمال عظيم بين جميع المخلوقات، وهو أثمنُ ثمراتِ الكون، وألطفُ المخلوقات وأكملُها، وأسعدُ ذوي الحياة ومخاطبُ رب العالمين وأهلٌ ليكون خليلَه ومحبوبه. حتى إن جميعَ المزايا الإنسانية وجميعَ مقاصد الإنسان العليا مرتبطةٌ بالتوحيد وتتحقق بسر التوحيد، فلولا التوحيد لأصبح الإنسان أشقى المخلوقات وأدنى الموجودات وأضعفَ الحيوانات وأشدَّ ذوي المشاعر حزنا وأكثرَهم عذابا وألما. ذلك


Yükleniyor...