فبناء على هذه الحقيقة نعتقد ونقول:

إن جميع أنواع الجمال المشاهَدة على الكائنات كلها، تأتي من جميل لا منتهى لجماله بحيث إن هذه الكائنات المتبدلة دوما والمتجددةَ باستمرار تصف جمال ذلك الجميل وتعرّفه، بجميع موجوداتها وبألسنة أدائها لوظيفةِ مرآةٍ عاكسة لذلك الجمال.

النقطة الرابعة: كما أن الجسد يستند إلى الروح ويقوم بها وتُبعَث فيه الحياة بها، واللفظَ يتنور على وفق المعنى، والصورةَ تستند إلى حقيقة وتتزود منها قيمتها؛ كذلك هذا العالمُ، عالَم الشهادة المادي الجسماني إنما هو جسدٌ ولفظ وصورة، يستند إلى الأسماء الإلهية المحتجبة وراء ستار عالم الغيب، فهو يحيا بتلك الأسماء التي تبعث فيه الحيوية، ويتوجه إليها، فيزداد جمالا وبهاءً.

فجميعُ أنواع الجمال المادي نابعة من جمال معنوي لمعانيها، ومن حُسن معنوي لحقائقها. أما حقائقُها فتستفيض من الأسماء الإلهية، وهي نوع من ظلال تلك الأسماء.

هذه الحقيقة أُثبتت في رسائل النور إثباتا قاطعا.

بمعنى أن جميعَ أنواع الجمال الموجود في هذا الكون وجميعَ أنماطه وألوانه، إنما هو تجلياتُ وإشاراتُ وأماراتُ جمال مقدس عن القصور ومجرّدٍ عن المادة تتجلى من وراء عالم الغيب بوساطة أسماء. ولكن كما أن الذات الإلهية المقدسة لا تشبه أبدا أية ذات أخرى، وأن صفاته تعالى جليلة منزَّهة كليا عن صفات الممكنات. كذلك جمالُه المقدس أيضا لا يشبه جمالَ الممكنات وليس كحسن المخلوقات قطعا. بل هو جمالٌ سامٍ عالٍ رفيعٌ منزَّه مقدس مطلق.

نعم، إنْ كانت الجنة الباهرة، الرائعة مع جميع مظاهر حسنها وروعتها هي تجلٍ من تجليات جماله سبحانه وأن رؤية أهل الجنة جمالَه تعالى لساعة من زمان يُنسيهم حتى تلك الجنةَ الجميلة، (2) فلا شك أن هذا الجمال السرمدي لا نهاية له، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا مثيل له قطعا.

ومن المعلوم أن حُسن كل شيء يلائمه ويكون على وفقه، وأنه يوجد بألوف الأنماط من الجمال والألوان فيختلف بعضها عن بعض، كاختلاف الأنواع في المخلوقات.


Yükleniyor...