وهكذا، انطلاقا من هذه الحقيقة: لا قيمة أو أهمية للكثرة الظاهرة للكفار والمنكرين الذين يصدّون عن الإيمان.. ولكن، في الوقت الذي لا ينبغي أن يتأثر يقينُ المؤمن ولا يُشاب إيمانُه بأي نوع من أنواع الشك والتردد، نرى أن ما يثيره فلاسفة أوروبا من شبهات وجحود في هذا العصر قد جلب الحيرة إلى بعض المنكوبين المفتونين بهم، فأزال يقينَهم وأباد سعادتهم الأبدية وأوقعهم في شقاء وتعاسة؛ ذلك لأن إنكارهم هذا حوّل معنى «الموت» الذي يصيب يوميا ثلاثين ألفا من الناس من معناه الحقيقي الذي هو إنهاء وظيفة الإنسان على الأرض، إلى صورة الإعدام الأبدي والفناء النهائي والنهاية المرعبة المخيفة. وأصبح القبر -الذي لا ينغلق بابُه- يسمِّم لذائذَ حياةِ ذلك المنكِر وينغّص عليه عيشَه بآلام مبرحة ملوّحا له بالعدم الرهيب دائما وبإعدامه الأبدي. فافهم من هذا:

ما أعظمَ الإيمان وما أعظم نعمته! وافهم كيف أنه «حياة» للحياة!

المسألة الثانية: لا يؤخَذ بكلامِ مَن هم خارج إطار علم أو صنعة في مسألة من مسائلهما، دارت حولها المناقشة، حتى لو كانوا عظماء وعلماء وصنّاعا مهَرة في اختصاصاتهم. ولا يؤخذ حُكمهم حجةً في تلك المسألة، ولا يدخلون ضمن إجماع علماء ذلك الضرب من العلم.

فمثلا: لا يسري حكمُ مهندس عظيم كواحد من الأطباء في تشخيص مرض ما أو علاجه. لذا لا تؤخذ الأقوال المنكِرة الصادرة من أعظم فيلسوف بنظر الاعتبار فيما يخص المعنويات، ولا يُقام لها وزن، وبخاصة مَن توغل منهم كثيرا في الماديات فطمس على بصيرته وتعامى عن النور، فتبلّد ذهنُه عن المعنويات وانحدر عقلُه إلى عينيه وتردى حتى أصبح لا يرى غيرَ المادة ولا يعقل شيئا دونها.

فيا تُرى، ما قيمة أقوال فلاسفة ذهلوا أمام تفرعات أصغر الأجزاء، وتاهوا أمام أكثرها تشتتا وغرقوا فيها، وكم يساوي كلامُهم وأقوالهم في مسائل التوحيد والإيمان والمعنويات السامية التي اتفقت عليها مئات الآلاف من أهل العلم والحقيقة أمثال الشيخ الكيلاني قدس الله سره ذي الدهاء القدسي والبصيرة الخارقة الذي كان يعاين العرش الأعظم وهو بَعدُ على الأرض، والذي سعى مرتقيا مراتب المعنويات زهاء تسعين سنة، حتى كشف الحقائق الإيمانية

Yükleniyor...