والحقيقة التي رآها صاحبُنا السائح في المنزل الثالث هي:

الحقيقة الثانية: وهي حقيقة «الرحمانية»

وهي تعني أن هناك واحدا جعل لنا الأرض -كما هي ظاهرةٌ أمام أعيننا- مضيفا رائعا، وغمر وجهَها بآلاف هدايا الرحمة، وفرش لنا بتلك الرحمة مأدبةً تحوي مئات الآلاف من مختلف الأطعمة اللذيذة المعدّة على تلك المائدة، وجعل لنا جوف الأرض -برحمته وحكمته- مخزنا عظيماً جامعاً لآلاف إحساناته وآلائه القيمة. ويقوم بتربيتنا تربيةً في منتهى الرحمة، بتحميله الأرض من عالم الغيب في دورتها السنوية -كأنها باخرة تجارية- بمئات الآلاف من أجود أنواع صنوف اللوازم الحياتية للإنسان و أجملها، ويرسلها كل سنة كأنها سفينة مشحونة أو قطار معبأ، فكل ربيع فيها بمثابة قطار تقلّ أرزاقَنا وملابسنا. ولأجل أن ننتفع من تلك الهدايا والنعم كلها فقد وهبنا المئات بل الآلاف من الأرزاق والحاجات والرغبات والمشاعر، والحواس..

نعم، لقد وضح في «الشعاع الرابع» الذي يشرح الآية الكريمة: ﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ (آل عمران:١٧٣)، وأُثبت هناك أنه سبحانه قد وهبنا معدةً بحيث نستطيع بها هضم أطعمة غير محدودة والتلذذ بها. وأحسن إلينا سبحانه حياةً بحيث نستفيد بحواسها نعما غير محدودة مبثوثة في أرجاء هذا العالم المشهود الكبير وكأنه سُفرة مفروشة للنعم. وأكرمنا سبحانه بإنسانية بحيث نتذوق بآلاتها العديدة -كالعقل والقلب- من هدايا غير متناهية لعالم المادة ولعالم المعنى ما نتذوق. وعلّمنا إسلاما بحيث يأخذ النور من خزائن غير متناهية لعالم الغيب ولعالم الشهادة. وهدانا إلى إيمانٍ بحيث نستفيد به ونتنور بما لا يُحصر من أنوار عوالم الدنيا والآخرة وهداياهما. فكأن هذه الكائنات قصر عامر منيف قد زيّن من لدن الرحمة الواسعة بأنفس الأشياء والموجودات، وسَلّمت بيد الإنسان مفاتيح خزائنه ومنازله التي لا تعد ولا تحصى، وأودعت في فطرته جميع الاحتياجات والمشاعر اللازمة للاستفادة من كل ما في القصر.

فرحمةٌ كهذه التي تحيط بالدنيا وبالآخرة معا، وبكل شيء. لابد أنها تجلٍ من تجليات «الأحدية» في تلك «الواحدية». أي كما أن إحاطةَ ضياء الشمس وشموله جميعَ الأشياء المقابلة


Yükleniyor...