البرهان الأول

إن جمال أثرٍ مصنوع يدل دلالةً قاطعة على جمال صُنعِه، وإن جمال الصنع وإتقانَه هذا يدل على جمال عنوان صانعه الناشئ من تلك الصنعة، وإن جمال عنوان الصانع المتقِن يدل على جمال صفةِ ذلك الصانع التي تعود إلى تلك الصنعة، وإن جمال صفته هذه يدل على جمال قابليته واستعداده، وإن جمال قابليته يدل على جمال ذاته وجمال حقيقته.

فكما أن هذه الدلالاتِ قاطعةٌ وبدهية، كذلك الحسنُ والجمال الظاهر في المخلوقات الجميلة في هذا العالَم كله، والصنعُ البديع المشاهَد في المصنوعات الجميلة كلها، يشهد شهادة قاطعة على حسن أفعال الصانع الجليل وجمالها. وإنَّ الحسنَ في أفعاله تعالى وجمالَها يدل بلا ريب على حسن العناوين المشرّفة على تلك الأفعال وجمالِها، أي على حسنِ الأسماء وجمالها. وإن حسنَ الأسماء وجمالها يشهد شهادة قاطعة على حسن الصفات المقدسة وجمالها، التي هي منشأ تلك الأسماء. وإن حسن الصفات وجمالها يشهد شهادة قاطعة على حسن الشؤون الذاتية وجمالها، التي هي مبدأ تلك الصفات. وإن حسن الشؤون الذاتية وجمالها يدل بالبداهة ويشهد شهادة قاطعة على حسن «الذات» وجماله، الذي هو الفاعلُ والمسمّى والموصوف، ويدل على الكمال المقدس لماهيته والجمال المنزّه لحقيقته. بمعنى أن للصانع الجميل جمالا وحُسنا لا حدّ له يليق بذاته المقدسة، بحيث إن ظلا من ظلاله قد جمّل هذه الموجودات كلها، وأن له سبحانه جمالا منزّها مقدسا بحيث إن جلوةً من جلواته قد أضفت الجمال على الكون كله، ونوّرت دائرة الممكنات كلها بلمعاتِ حسن وجمال وزيّنتها بأبهى زينة.

نعم، إن الأثر المصنوع كما لا يمكن أن يكون بلا فعل، فالفعلُ كذلك لا يمكن أن يكون بلا فاعل، وكما أنه محال أن تكون أسماءٌ بلا مسميات كذلك محال أن تكون الصفات بلا موصوف.

فما دام وجودُ مصنوعٍ وأثرٍ يدل بالبداهة على فعلِ فاعلِ ذلك الأثر، وأن وجود ذلك الفعل يدل على وجود فاعله وعلى عنوانه وعلى صفاته التي أنتجت ذلك الأثر وعلى اسمه، فلا شك أن كمال أثرٍ ما وجمالَه أيضا يدل على كمال الفعل وجماله الخاصَّين به، وهذا يدل على جمال الاسم الذي يليق به، وهذا يدل على كمال الذات والحقيقة وجمالِها بما يليق ويوافق الذات والحقيقة دلالة قاطعة بعلم اليقين وبالبداهة.


Yükleniyor...