هكذا حكم صاحبنا السائح واطمأنت نفسه إليه فرددتْ هي أيضا: آمنّا. وما شاهده سائح العالم في المنزل الثالث هو:

الحقيقة الرابعة: وهي المرتبة الثالثة والثلاثون، تلك هي حقيقة «الرحيمية والرزاقية»

أي حقيقة إعطاء الرزق إلى جميع ذوي الحياة وبخاصة ذوي الأرواح وبخاصة العاجزين والضعفاء وبخاصة الأطفال والصغار على وجه الأرض كافة وفي جوفها وفي جوها وفي بحرها، إعطاءهم أرزاقهم كافة -سواء المادية المَعِدية منها أو المعنوية القلبية- بكل شفقة ورأفة، وذلك من الأطعمة المعمولة من تراب بسيط يابس ومن قِطَع خشب جافة جامدة كالعَظْم، وبخاصة إخراج ألطف تلك الأطعمة من بين فرث ودم وإخراج كميات هائلة من الأطعمة من بذرة واحدة صلدة كالعظم وهي لا تزن درهما.. فإخراج كل ذلك في وقته المناسب وأمام أنظارنا إخراجا مقننا دون نسيان أحد أو التباس أو خطأ لهو حقيقة الأرزاق من لدن يد غيبية.

نعم، إن الآية الكريمة: ﹛﴿ اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَت۪ينُ ﴾|﹜ (الذاريات:٥٨) التي تخصص الإعاشة والإنفاق وتحصرها في الحق سبحانه وتعالى. وكذا الآية الكريمة: ﹛﴿ وَمَا مِنْ دَٓابَّةٍ فِي الْاَرْضِ اِلَّا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَاۜ كُلٌّ ف۪ي كِتَابٍ مُب۪ينٍ ﴾|﹜ (هود:٦) التي تأخذ أرزاق الناس والحيوان جميعها تحت تعهد الرب سبحانه وكفالته. وكذا الآية الكريمة: ﹛﴿ وَكَاَيِّنْ مِنْ دَٓابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَاۗ اَللّٰهُ يَرْزُقُهَا وَاِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّم۪يعُ الْعَل۪يمُ ﴾|﹜ (العنكبوت:٦٠) التي تثبت وتعلن بأن الله سبحانه هو الذي يتكفل -كما هو مُشاهَد- بأرزاق المساكين والضعفاء والعاجزين وأمثالهم ممن لا يستطيعون أن يتداركوها، فيرسلها إليهم من حيث لم يحتسبوا، ومن مصادرَ لا تَخطر لهم على بال، بل من الغيب، بل من غير شيء، كأمثال الحشرات الموجودة في أعماق البحار التي تتغذى على غير شيء. وجميع الصغار التي يأتيها رزقها من حيث لا تحتسب، وجميع الحيوانات التي قد تكفل سبحانه بأرزاقها، وينفق عليها فعلا من الغيب مباشرة -كما هو مشاهَد في كل ربيع- حتى إنه هو الذي يرسل أرزاق أولئك المفتونين بالأسباب تحت ستار الأسباب، فلا يرزقهم سواه. فكما أن تلك الآيات الكريمة والظواهر المشاهَدة تُري الرزاقية وتثبتها وتعلنها هكذا، كذلك تبين آياتٌ قرآنيةٌ كثيرة وشواهدُ كونية لا تُحدُّ متفقةً أن كل ذي حياة يُربَّى تحت كَنَفِ رحيميةِ رزاقٍ واحدٍ أحد ذي جلال.


Yükleniyor...