الحقيقة من: «أجرنا من النار».. «نجنا من النار».. «خلصنا من النار»... الذي حاز عندهم قطعيةً تامة بناءً على الوحي المشهود.. كل ذلك يبين لنا أن أعظم قضية للبشرية على الأرض إنما هي النجاة من النار، وأن أعظم حقيقة وأدهشها من حقائق الكائنات، بل أكثرها أهمية إنما هي «جهنم» التي يشاهدها قسم من أولئك المحققين وأهل الشهود والكشف، ويرى آخرون ألسنة لهيبها وظلمة سوادها، ويسمع بعضهم أزيز تضرمها وفورانها فيصرخون من هولها: «أجرنا من النار».

نعم، إن تَقابُل الخير والشر في هذا الكون، واللذة والألم، والنور والظلام، والحرارة والبرودة، والجمال والقبح، والهداية والضلالة، وتَداخُل بعضها ببعض، إنما هي لِحكمة كبرى، لأنه ما لم يكن هناك الشر فلا يفهم الخير، وما لم يكن هناك الألم فلا تُعرف اللذة، والضياء من دون ظلام إزاءه لا يَبِين جمالُه، ودرجات الحرارة تتحقق بوجود البرودة، وتصبح حقيقة واحدة من الجمال ألفا من الحقائق بوجود القبح، بل يكتسب آلافا من أنواع الجمال ومراتب الحسن. ويختفي الكثير من لذائذ الجنة بعدم وجود جهنم. فقياسا على هذا يمكن أن يُعرَف كلُّ شيء من جهةٍ بضده، وبوجود الضد يمكن أن تثمر حقيقةٌ واحدة حقائقَ عدة.

فما دامت هذه الموجودات المختلطة تسيل سيلا من دار الفناء إلى دار البقاء، فلابد أن الخير واللذة والنور والجمال والإيمان وأمثالها تسيل إلى الجنة، ويتساقط الشر والألم والظلام والقبح والكفر وأمثالها من الأمور المضرة إلى جهنم. فتسيل سيولُ هذه الكائنات المتلاطمة دائما إلى ذينك الحوضين وتهدأ ساكنة عندهما نهاية المطاف.

نكتفي بهذا القدر ونحيل إلى ما جاء في نهاية «الكلمة التاسعة والعشرين» من نكات رمزية.

يا زملاء الدراسة في هذه المدرسة اليوسفية!

إن السبيل اليسيرة للنجاة من السجن الأبدي المرعب (جهنم) إنما هي في اغتنامنا فرصة بقائنا في السجن الدنيوي، هذا الذي قصّر أيديَنا عن كثير من الآثام فأنقذَنا منها. فما علينا إذن إلّا الاستغفار والتوبة عما اقترفناه من ذنوب سابقة، مع أداء للفرائض، كي نحوِّل كل ساعة من ساعات هذا السجن بحكم يوم من العبادة، فهي إذن أفضل فرصة لنا للنجاة من السجن

Yükleniyor...