نعم، هكذا فهمتُ من الآية الكريمة، وتلقيت درسي منها وتلوت: ﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ نيّةً وتصورا وخيالا باسم جميع أنواع الحياة وذوي الحياة.

المرتبة النورية الحسبية السادسة

من خلال الشيب الذي يذكّر بفراقي الخاص، ومن خلال تلك الفراقات العامة الشاملة التي تنبئ عن حوادثِ قيام الساعة ودمار الدنيا، ومن خلال الانكشاف الواسع فوق العادة في أواخر عمري لأحاسيس الجمال والعشق له والافتتان بالكمالات المغروزة في فطرتي.. من خلال كل هذا رأيت أن الزوال والفناء اللذين يدمِّران دائما، وأن الموت والعدم اللذين يفرّقان باستمرار، رأيتهما يفسدان -بشكل مُرعب ومخيف- جمالَ هذه الدنيا الرائعةِ الجمالِ ويشوهانه بتحطيمهما لها، ويُتلفان لطافة هذه المخلوقات.. فتألّمت من أعماقي بالغَ التألم لِما رأيت. ففار ما في فطرتي من عشق مجازيّ فورانا شديدا وبدأ يتأجج بالرفض والعصيان أمام هذه الحالة المفجعة، فلم يك لي منها بدّ إلّا مراجعة الآية الكريمة أيضا لأجد المتنفَّس والسلوان، فقالت: «اقرأني جيدا، أَنعِم النظر في معانيَّ». وأنا بدوري دخلت إلى مركز الإرصاد لسورة النور لآيةِ ﹛﴿ اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾..|﹜ (النور:٣٥)، فنظرت من هناك ب«منظار» الإيمان إلى أبعد طبقات الآية الحسبية، وفي الوقت نفسه نظرت ب«مجهر» الشعور الإيماني إلى أدق أسرارها، فرأيت أنه مثلما تُظهر المرايا والزجاجُ والمواد الشفافة وحتى زَبدُ البحر وحبابُه الجمالَ المخفيَّ المتنوع لضوء الشمس، ومختلفِ جمال الألوان السبعة لضوئها. وبتجددها وبتحركها وقابليتها المختلفة وانكساراتها المتنوعةِ تجدد الجمالَ المتستر للشمس ولضوئها ولألوانها السبعة. فكذلك الأمر في هذه المصنوعات الجميلة وهذه المخلوقات اللطيفة والموجودات الجميلة لا تلبث أن تذهب دون توقف لتقوم مقام مرايا عاكسة للجميل ذي الجلال الذي هو «نور الأزل والأبد» مجدِّدة بذلك تجلياتِ جماله المقدس وتجليات الجمال السرمدي لأسمائه الحسنى جل وعلا. فالجمالُ الظاهر في هذه المخلوقات والحسنُ البارز فيها إذن ليس هو ملكَ ذاتها، وإنما هو إشاراتٌ إلى ذلك الجمال المقدس السرمدي الذي يريد الظهور، وعلاماتٌ ولمعات لذلك الحسن المجرد الدائمِ التجلي والجمال المنزه الذي يريد المشاهدة والإشهاد. وقد وضّحت هذا مفصلا في رسائل النور بدلائله القاطعة وببراهينه الدامغة لذا سنشير هنا إلى ثلاثة براهين منها فقط إشارة قصيرة.

Yükleniyor...