قلت ذات يوم: «إنني لابد -كأي فرد كان- داخلٌ لا محالة في القبر».. فدخلت إليه خيالا: وفيما كنت أستوحش يائسا من سجن القبر الانفرادي، ومن تجردي المطلق من كل شيء، وحيدا دون مُعِين، في ذلك المكان الضيق المظلم البارد، إذا بصديقين كريمين من طائفة «المنكر والنكير» قد برزا وجاءا إليّ وبدءا بالمناظرة معي.. وسّعا كلا من قلبي وقبري، فاستضاءا وتدفئا، وفُتحت شبابيك نوافذ مطلة على عالم الأرواح.. سُررت من أعماق روحي وشكرت الله كثيرا على ما رأيت من الأوضاع التي ستتحقق حتما في المستقبل وإن كنت أراها الآن خيالا.

فكما أنه عندما توفي طالب علم في أثناء تعلمه الصرف والنحو، سأله المنكر والنكير في القبر: «مَن ربك؟» أجاب: «مَن مبتدأ وربُك خبره.. اِسألوني سؤالا صعبا فهذا سهل!!» -يحسب نفسه أنه لا يزال في المدرسة يتلقى الدرس- كما أن هذا الجواب أَضحَك الملائكةَ والأرواحَ الحاضرة وذلك الوليَّ الصالح الذي انكشف له القبر فشاهَد الحادثةَ، بل جَعَل الرحمة الإلهية تبتسم؛ فأنقذه من العذاب.. كذلك فقد أجاب شهيد بطل من طلاب رسائل النور وهو «الحافظ علي»(∗) وقد توفي في السجن وهو لا يزال يقرأ ويكتب «رسالة الثمرة» بكمال الشوق، أجاب عن أسئلة المَلَكين في القبر -مثلما أجاب في المحكمة- بحقائقِ «رسالة الثمرة». وأنا كذلك وسائر طلبة رسائل النور سنجيب إن شاء الله عن تلك الأسئلة التي هي حقيقة في المستقبل، ومجاز في الوقت الحاضر. سنجيب عنها بحجج رسائل النور الساطعة وبراهينها الدامغة ونسوقهم بها إلى التصديق والاستحسان والتقدير.

وكذا فإن نموذجا جزئيا للإيمان بالملائكة محورا لسعادة الدنيا هو أنه:

بينما كان طفل بريء يتلقى درسه الإيماني في مبادئ الفقه، إذ يأتيه طفل آخر باكيا مُوَلْوِلا لوفاة أخيه البريء فيهدئه ويسليه، قائلا: «لا تبكِ يا أخي، بل اشكر الله؛ لأن أخاك قد ذهب مع الملائكة ومضى إلى الجنة وسيتجول ويسرح هناك بحرية كاملة كالملائكة وسيجد الفرحة والهناء أحسن منا، وسيطير كالملائكة ويشاهد كل مكان». فبدّل بكاءه وصراخه وعويله ابتسامة وسرورا.

فأنا كذلك مثل هذا الطفل الباكي، فقد تلقيت مع ما أنا فيه من وضع أليم وفي هذا الشتاء الكئيب نبأ وفاة اثنين ونَعيَهما بأسى وألم بالغين.

Yükleniyor...