أن وجود القدرة الإلهية أكثرُ قطعيةً من وجود الكون، بل إن جميع المخلوقات وكل مخلوق بالذات، كلماتٌ مجسَّمة لتلك القدرة، تبينها وتظهرها بعين اليقين، وهي شهادات بعددها على موصوفها القدير المطلق. فلا داعي إذن إلى إثبات تلك القدرة بالحجج والبراهين. بل يلزم إثبات حقيقة جليلة تخص القدرة والتي هي أساس مهم في الإيمان والحجر الأساس الرصين للحشر والنشور والمدارُ اللازم لمسائلَ إيمانيةٍ كثيرة وحقائقَ قرآنيةٍ جليلة والدعوى التي تعلنها الآية الكريمة ﹛﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾|﹜ (لقمان:٢٨) والتي أعيت العقول دونها وظلت في حيرة وعجز، بل ضل قسم منها..

فذلك الأساس وذلك الحجر الزاوية وذلك المدار وتلك الدعوى وتلك الحقيقة هي معنى الآية الكريمة المذكورة.

أي أيها الجن والإنس إنّ خلقكم جميعا وبعثَكم يوم الحشر يسير على قدرتي يُسرَ إيجادِ نفسٍ واحدة، فهو الذي يخلق الربيع بمثل خلقه زهرةً واحدة في سهولة ويسر. فلا فرق بالنسبة لتلك القدرة بين الجزئي والكلي والصغير والكبير والقليل والكثير. فهي تُجري السيارات بسهولة إجرائها للذرات.

فتلك الفقرة العربية المذكورة تبين هذه المسألة الجليلة بحجة قوية قاطعة في تسع مراتب.

إن الفقرة الآتية تشير إلى أساس المراتب وتلخص باختصار شديد الفقرةَ العربية:

[إذ هو القدير على كل شيء بقدرة مطلقة محيطة ضرورية ناشئة لازمة ذاتية للذات الأقدسية. فمحال تداخل ضدها، فلا مراتب فيها، فتتساوى بالنسبة إليها الذرات والنجوم والجزء والكل والجزئي والكلي والنواة والشجر والعالم والإنسان] .

أي هو القدير على كل شيء بقدرةٍ محيطة بكل شيء، ولازمةٍ بلزوم ذاتيّ وواجبة ضرورية ناشئة -كما في علم المنطق- للواجب الوجود، محال انفكاكُها ولا يمكن ذلك قطعا.

فما دامت مثل هذه القدرة لازمة بمثل هذا اللزوم للذات الأقدس، فلاشك أن العجز الذي هو ضد القدرة لا يدخلها بأية جهة كانت، فلا يكون عارضا للذات الأقدس. وحيث إن وجود المراتب في شيء، هو بتداخل ضده فيه -فمثلا: مراتب الحرارة ودرجاتها

Yükleniyor...