والمشاعر، فنشاهد تلك العوالم محاوِلين معرفةَ وحدانيةِ خالقنا ووجودِه وكمالِ رحمانيته ورحيميته وعظمةِ قدرته وشمول إرادته، وذلك من خلال تجليات العلم الأزلي.

نعم، إننا نشاهد في هذا العالم أن كل ذي روح يستشعر بالأحاسيس وبالفطرة -وإن لم يكن بالشعور والعقل- أنه يعانى عجزا وضعفا لا يُحدّان بحدودٍ مع أن أعداءه وما يؤلمه لا يُعدّون، وأن كلّا منهم يتقلب في فقر وحاجة لا حدود لهما مع أن حاجاته ومَطالِيبَه لا حدّ لها. ولما كان اقتداره ورأس ماله لا يكفي لواحد من ألف منها، تراه يستغيث ويبكي بكل ما يملك من قوة، ويتضرع فطرةً وضمنا. وإذ يلتجئ إلى ديوانِ عليمٍ قدير بصوته الخاص وبلسانه الخاص وبدعواتٍ وصلوات وتوسلات وتضرعات ونوع من صلوات خاصة به، إذا بنا نشاهد أن قديرا حكيما عليما مطلقا يعلم كل حاجة من حاجات أولئك الأحياء ويقضيها لهم، ويبصر كل داء من أدوائهم ويسعفها لهم، ويسمع كل نداء ودعاء يدعونه فطرةً ويستغيثون به ويستجيب لهم، فيحوّل سبحانه وتعالى بكاءهم إلى ابتساماتٍ حلوة ويبدل استغاثاتهم إلى أنواع من الحمد والشكر.

إن هذا المدد المتسم بالحكمة والعلم والرحمة يدل دلالة واضحة بتجليات العلم والرحمة على المجيب المغيث الرحيم الكريم. فجميع الصلوات والعبادات التي تنطلق من هذه العوالم، عوالمِ ذوي الأرواح، الصاعدة إلى ذلك المجيب المغيث قد عَبّر عنها -بهذا المعنى- وقدّمها وخصصها محمدٌ ﷺ في المعراج الأكبر، ويرددها كل مؤمن في المعراج الأصغر في كل صلاة ب «الصلوات الطيبات لله» .

الكلمة الرابعة السامية: وهي «الطيبات لله»

لما كانت حقائقُ كثيرة لرسائل النور تتخطر على قلبي في أذكار الصلاة، فقد رأيتُني كأنني أنساق -بناء على هذه الحكمة- إلى بيانِ حقائقِ كلمات سورة الفاتحة والتشهد بإشارات قصيرة دون اختيار منى.

وهكذا فالكلمة القدسية: «الطيبات» التي قيلت في المعراج المحمدي التي تحوى معاني الطيبات التي لاتحد والمنطلقة من الإنس والجن والملك والروحانيين الذين هم أهل المعرفة والإيمان والشعور الكلي، والذين يجمّلون الكون بأسره بطيباتهم وحسناتهم وعباداتهم الجميلة، المتوجهة كلها إلى عالم الجميلات، والذين يدركون إدراكا كاملا الجمالاتِ والمحاسنَ

Yükleniyor...