وحينما كنت أفكر أن طريقا يسلكها جماعة عظيمة إلى هذا الحد لا تكون طريقا عوجا قطعا ولا تكون دعواها إلّا صوابا، ولا يُردُّ دعاؤها بل تطرد شبهات الشيطان.. وإذ أنا أصدّق منافع الصلاة العظيمة في جماعة تصديقا شهوديا، رُفع ستارٌ آخر، ورأيت:

كأن الكون مسجد كبير وجميع طوائف المخلوقات منهمكة في صلاة جماعية كبرى، ﹛﴿ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْب۪يحَهُ ﴾|﹜ (النور:٤١)، يؤدي نوعا من صلاة خاصة به بلسان الحال، إيفاءً لعبودية واسعة عظيمة جدا إزاء ربوبية المعبود الجليل المحيطة، فيصدّق كلٌ منهم شهادةَ الجميع على التوحيد بحيث يحصل كل منهم على إثبات النتيجة نفسها. وإذ كنت أشاهد هذه الأمور، رُفع ستار آخر، ورأيت:

كما أن الكون الذي هو إنسان كبير يقول بلسان الحال وبلسان الاستعداد والحاجة الفطرية لكثير من أجزائه، وبلسان المقال لذوي الشعور من موجوداته: ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ مُظهِرين عبوديّتهم لخالقهم إزاء ربوبيته الرحيمة، كذلك جسدي، هذا الكون الصغير، كجسد كل مصلٍّ معي في تلك الجماعة العظمى يقول بذراته وبقواه وبمشاعره أيضا: ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ بلسان الطاعة والحاجة، إزاء ربوبيةِ خالقه، منقادا للأمر الإلهي مستسلما لإرادته سبحانه، ورأيت أن تلك الجماعة من الذرات والقوى والمشاعر تَعرِض في كل آن حاجَتها إلى عناية خالقها الجليل وتبسطها أمام رحمته وإعانته. وشاهدتُ بإعجابٍ السرَّ الرفيع للجماعة في الصلاة، وأبصرت المعجزةَ الجميلة ل«ن» نعبد. واستودعت تلك السياحة الخيالية لدى باب «ن» الذي دخلتها منه. وحمدتُ الله قائلا: الحمد لله. وسعيت لأقول ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜ بلسان تلك الجماعات الثلاث، أولئك الأصدقاء الكبار والصغار.

والآن انتهت المقدمة، ونرجع إلى ما نحن بصدده. وهو إشارة مختصرة إلى الحجة التي تشير إليها ﹛﴿ اِيَّاكَ نَعْبُدُ وَاِيَّاكَ نَسْتَع۪ينُ ﴾|﹜.

أولا: إننا نشاهد بأبصارنا فعاليةً وخلاقية مَهِيبتين دائمتين وفي أتم انتظام وانسجام تَجريان في الكون بأسره ولاسيما على سطح الأرض. ونشاهد ربوبية مطلقة رحيمة مدبِّرة ضمن هذه الفعالية والخلاقية تستجيب لاستعاناتٍ واستغاثات تنطلق مما لا يُحد من ذوي

Yükleniyor...