فبينما الكون -بسر التوحيد- على هذه الهيئة العجيبة كملَك مطيع جسماني مالك للحياة، يحوّله الشركُ إلى أشتاتٍ واهية جامدة، لا روح لها ولا حياة، ولا بقاء لها ولا وظيفة، هالكةٍ لا معنى لها، تتدحرج في خضم ظلمات العدم وأهوال الأحداث التافهة والانقلابات. فالشركُ يجعل هذا المصنع العظيم -الذي يدرُّ النفعَ الكثير- شيئا لا فائدة له ولا يُكسَب منه شيء، معطَّلا عن كل عمل، مختلطا ومتشابكا تلعب به المصادفاتُ العشوائية والطبيعة الصماء والقوى العمياء، ومأتما حزينا لذوي الشعور كافة، ومذبحة ومسلخة أليمة لذوي الحياة كافة.

وهكذا كم يكون الشرك إذن مبعثَ جرائمَ كبرى وجناياتٍ عظمى! ألا يستحق عذابا أبديا في جهنم مع أنه سيئةٌ واحدة؟ وصدق الله العظيم: ﹛﴿ اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظ۪يمٌ ﴾|﹜ (لقمان:١٣).

وعلى كل حال، ففي مجموعةِ «سراج النور» إيضاحاتٌ أكثر لهذه الثمرة الثانية مع حججها المكررة. لذا اختصرنا هذه الحقيقة الطويلة.

والذي ساقني إلى هذه الثمرة الثانية وأوصلني إليها شعورٌ عجيب وذوق غريب، وهو على النحو الآتي:

عندما كنت أتأمل في يوم من أيام الربيع شاهدتُ أن الموجودات التي تملأ سطح الأرض وتسيل قافلةً إثر قافلة مُظهرةً مئات الألوف من نماذج الحشر والنشور.. هذه الموجودات ولاسيما المخلوقات الحية منها وبخاصة الأحياء الصغيرة منها، ما إن تظهر حتى تختفي عقِبه.. فتتعاقب مناظرُ الموت والزوال باستمرار وفي فعالية دائمة. وبدت أمامي حزينةً أليمةً مسّت أوتارَ عواطفي وأثارت رقّتي حتى دفعتني إلى البكاء. وكنت كلما شاهدتُ موت تلك الأحياء الصغيرة اللطيفة اعتصر قلبي ألما وتأففتُ قائلا: يا حسرتاه.. أواه.. آه.. فأستشعر ضراما روحيا منبعثا من الأعماق حتى رأيت الحياة التي تَؤول إلى هذه النتيجة عذابا أليما دونه الموت.

وكذا رأيت في عالم النباتات والحيوانات، أن تلك الأحياء الجميلة جدا والمحبوبة جدا وهي في أتم إتقان وإبداع، ما إن تفتح عينيها للحياة في لحظات وتشاهِد هذا المهرجان الكوني العظيم إلّا وتُمحى وتُفنى. فكلما شاهدت هذه الحالة تَفطَّر كبدي حزنا وكمدا، وكأنه يشكو باكيا وهو يقول: لِمَ أتوا إذن إلى هذا العالم ولِمَ يرحلون دون أن يمكثوا فيه؟ فكان


Yükleniyor...