وبسرّ التوحيد يكتسب كلُّ شيء من حيث انتسابه وأداؤه لوظيفة المرآة قيمةً أعظمَ من قيمته الذاتية بألوف المرات، وينكشف السرُّ المغلق للأسئلة المحيّرة: من أين يأتي سيلُ الموجودات وقافلة المخلوقات، وإلى أين المصير، ولمَ جاء وماذا يعمل؟

كل ذلك لا يتم إلّا بسر التوحيد، إذ لولا التوحيد لانكسفت جميعُ مزايا الكون وكمالاته المذكورة آنفا، ولانقلبت تلك الحقائق السامية الراقية إلى أضدادها.

وهكذا، فالشرك والكفر جريمة بشعة تتعدى على جميع كمالات الكائنات وتتجاوز على جميع حقوقها الرفيعة وتتعرض لجميع حقائقها السامية. لذا تغضب الكائناتُ على أهل الشرك والكفر، وتستشيط السماواتُ والأرض غضبا عليهم، وتتفق عناصرُ الكون على إبادتهم، فتُغرِق قومَ نوح عليه السلام وتُهلِك قومَ عاد بالطاغية وثمود بالعاصفة وفرعونَ وأمثالَهم بالغرق.. بل تغضب جهنمُ عليهم غضبا شديدا حتى ﹛﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾|﹜ (الملك:٨) كما نصّت عليه الآية الكريمة.

نعم، إن الشرك استهانة بشعة بالكون، وتعدٍّ عظيم عليه، وحطٌّ من قيمته وتهوين من شأنه، لإنكاره حكمةَ الخلق وردّه وظائفَ المخلوقات، تلك الوظائف الجليلة.

نشير إلى هذه الحقيقة بمثالٍ واحد من بين أُلوف أمثلتها:

إن الكون -بسر التوحيد- هو بمثابة مَلَكٍ مجسّم عظيم جدا بحيث له مئاتُ الألوف من الرؤوس، بل بعدد أنواع الموجودات، في كل رأس مئاتُ الألوف من الأفواه، بل بعدد أفراد ذلك النوع، وفي كل فم مئاتُ الألوف من الألسنة، بل بعدد أجهزة ذلك الفرد وعدد أجزائه وأعضائه وحُجيراته. فهذا الكون الهائل والمخلوق العجيب، هذا المَلَك العظيم يقدّس الصانعَ الجليل بهذه الألسنة التي لا تعد ولا تحصى ويسبّحه بها جلّ وعلا. فهو إذن في مقام رفيع يتسربل عبوديةً عظيمةً شبيهة بعبودية إسرافيل عليه السلام.

وكذا الكون بسر التوحيد، بمثابة مزرعةٍ تهيئ محاصيلَ وفيرةً جدا لعالم الآخرة ومنازلها.. وهو بمثابة مصنعٍ عظيم يهيئ لوازمَ لطبقات دار السعادة من أعمال بشرية غنية بمحاصيلها.. وهو بمثابةِ جهازِ تصويرٍ سينمائي دائب عظيم يضم مئات الألوف من أجهزة الالتقاط لالتقاط صور من الدنيا، وعرضها مناظرَ سرمديةً لأهل عالَم البقاء ولأهل الشهود في الجنة.

Yükleniyor...