ثانيتها: حقيقةُ التمييز والتفريق المقصودَين بحكمة، والتزيينِ والتصوير الإراديين برحمة، وهي واضحة وضوح النهار -حقيقةً ومعنىً- فالتمييز بين تلك الأنواع والأفراد غيرِ المحدودة غرضٌ مقصود، والاختلافُ والتباين بينها حكمة مطلوبة، ولمسات التجميل والتحسين رحمة مرادة، وهذه الحقيقة واضحة وضوحا لا يدع مجالا قط لنسبتها إلى المصادفة، مما يُظهر عيانا أنها آثارُ الصانع الحكيم ونقوشه البديعة.

ثالثتها: حقيقةُ فتح صور المصنوعات غير المحدودة، بمئات الآلاف من الأنماط المختلفة والأشكال المتنوعة فتحا من حبوب معدودة متشابهة، ومن نوى محدودة متماثلة، واستنباتها في غاية الانتظام والميزان وبمنتهى الزينة والجمال، رغم أنها بسيطة جامدة ومختلطة بعضها ببعض. ففتح صور كل فرد من أفراد تلك الأنواع المتباينة -التي تربو على مائتي ألف نوع- كلٌ على انفرادٍ بانتظام كامل وبموازنة تامة وبحيوية وحكمة وبدون خطأ، لهو حقيقة ساطعة جلية أسطع من الشمس.

ففهمَ السائح أنَّ هناك شهودا ودلائلَ إثباتٍ على تلك الحقيقة بعدد أزهار الربيع، وبعدد أثماره وبعدد أوراقه وموجوداته، فعبّر عمّا جاش في قلبه من معان كريمة فقال: «الحمد لله على نعمة الإيمان» .

ولبيان هذه الحقائق والشهادات ذُكر في المرتبة السادسة من المقام الأول الآتي:

[لا إله إلّا الله الواجب الوجود الذي دلّ على وجوب وجوده في وحدته: إجماعُ جميع أنواع الأشجار والنباتات، المسبحات الناطقات بكلمات أوراقها الموزونات الفصيحات، وأزهارها المزينات الجزيلات، وأثمارها المنتظمات البليغات، بشهادةِ عظمةِ إحاطةِ حقيقةِ الإنعام والإكرام والإحسان بقصدٍ ورحمةٍ. وحقيقة التمييز والتزيين والتصوير بإرادة وحكمةٍ، مع قطعية دلالةِ حقيقةِ فتحِ جميع صورها الموزونات المزيّنات المتباينة المتنوعة غير المحدودة، من نَويات وحبّات متماثلة متشابهة محصورة معدودة] .

وبينما كان السائح الشغوف -الذي ازداد بالسمو ذوقا وشوقا- عائدا من تلك السياحة الفكرية مبتهجا بلذةِ وقوفِه على الحقيقة وعثوره على جنات الإيمان، راجعا من بستان الربيع، حاملا باقة كبيرة واسعة -من أزهار المعرفة والإيمان- سعةَ الربيع نفسه، إذا بباب عالم الطيور

Yükleniyor...