يا هذا! اِرفع رأسك وانظر إلى غرائب الصنعة وبدائع الخلقة للفعال القدير الذي يريد أن يُعرّف نفسه لعباده. فكما أنك لست طليقا سائبا مفلت الزمام في هذا الوجود، فلن تكون هذه الحوادث سدىً ولا عبثا، بل كل منها تُساق إلى وظائف حكيمة بخضوع واستسلام وكل منها يستخدم من لدن ربٍ مدبّر حكيم.

وهكذا يسمع هذا السائح الولوع شهادةً سامية جليّة لحقيقةٍ مركبة من تسخير السحاب، وتصريف الرياح، وإنزال الغيث، وتدبير الظواهر الجوية فيقول: آمنت بالله..

وقد أفادت (3) المرتبة الثانية من المقام الأول مشاهداتِ هذا السائح في الجو كالآتي:

[لا إله إلّا الله الواجب الوجود الذي دلّ على وجوب وجوده: الجوُّ بجميع ما فيه، بشهادة عظمةِ إحاطةِ حقيقةِ: التسخير والتصريف والتنزيل والتدبير، الواسعة المكملة بالمشاهدة] .

ثم إن ذلك السائح المتفكر، المتعود على السياحة الفكرية، هتفت به «كرة الأرض» بلسان حالها، قائلة: «لِمَ تجول في الهواء وتدور في أرجاء السماء والفضاء؟ هلمّ إليّ لأعرّفك بالذي تبحث عنه. تأمل فيما أزاول من وظائف، واقرأ ما هو مكتوب في صحائفي». فأخذ السائح ينظر، فيرى: أن الأرض -كالمولوي العاشق- تخط بحركتيها في أطراف ميدان الحشر الأعظم دائرة تحصل بها الأيام والسنون والفصول.. وهي كسفينة ربانية عظيمة حاملة لأكثر من مائة ألف نوع من أنواع ذوي الحياة مع جميع أرزاقها ومتطلباتها المعاشية، فتمخر عباب الفضاء وتطوف في رحلة سياحية وتجوال حول الشمس بكمال الموازنة والانتظام الأتم.

ثم ينظر إلى صحائفها فيرى أن كل صحيفة منها تعرّف ربَّها بآلاف آياتها.. ولكن لمّا لم يجد متسعا من الوقت لمطالعة الصحائف كلها، فقد اقتصر بالنظر إلى صحيفة واحدة منها فقط، وهي صحيفة تجسّد إيجاد ذوي الحياة وإدارتها في فصل الربيع. فشاهَدَ أن أفرادا غير محدودين لمائة ألف من الأنواع تنفتح صورُها وتنبسط من مادة بسيطة بمنتهى الانتظام، وتُربّى بمنتهى الرحمة، وتُنشر في الأرجاء بمنتهى السعة وتُمنح بذور قسم منها جُنيحات رقيقة

Yükleniyor...