الواحدة.. يشعرون بأخوّة لطيفة وصداقة قوية تربط فيما بينهم، بينما المحرومون من مثل هذه الروابط الواحدة يقاسون دائما عذابا مريرا من ظلمات أليمة.

وكذا لو كانت لثمراتِ شجرة شعورٌ لشعرتْ كلٌّ منها أنها أخت الأخرى وبديلتُها وصاحبتُها وناظرتها. ولكن لو لم تكن شجرة، أو اقتطفت تلك الثمرات منها لشعرت كل ثمرة بآلامِ فراقٍ بعدد الثمرات.

وهكذا ظفر وجودي أيضا -كأي مؤمن آخر- بالإيمان وبالانتساب الذي فيه، بأنوار لا فراق فيها تشع من أنواع من وجود غير متناه، فلو رحل وجودي فإن بقاء تلك الأنواع من الوجود عقِبه يجعل وجودي راضيا مطمئنا كأنه قد بقي بنفسه كاملا.

زد على ذلك أن وجودَ كل ذي حياة ولاسيما من ذوي الأرواح، هو بمثابة كلمة تُقال وتُكتب ثم تغيب، بعد أن تترك بدلَها أنواعا من وجودٍ -تعدّ تالية لوجودها- هي معناها وهويتُها المثالية وصورتُها ونتائجها وثوابها -إن كانت كلمة طيبة- وحقيقتُها.. وأمثالُها من أنواع الوجود الكثيرة التي تتركها ثم تغيب وتختفي، وقد أثبتنا ذلك تفصيلا في «المكتوب الرابع والعشرين».

فوجودي أيضا مثل تلك الكلمة تماما، وكذا وجودُ كل ذي حياة. إذا ما رحل عن الوجود الظاهري، فإنه يترك روحَه -إن كان من ذوي الأرواح- ويترك معناه وحقيقتَه ومثاله ونتائجه الدنيوية لماهيته الشخصية وثمراتها الأخروية وهويته وصورته، يترك كلَّ ذلك في القوى الحافظة لذاكرة الناس وفي الألواح المحفوظة وفي شرائط أفلام المناظر السرمدية وفي مشاهد العلم الأزلي، مُودِعا في دفتر أعماله تسبيحاتِه الفطريةَ التي تمثّله وتمنحُه البقاءَ، وتلبيتَه الفطرية لتجليات الأسماء الإلهية ومقتضياتها، وقيامَه بوظيفة المرآة الظاهرة. فعلمت علم اليقين أن الموجود يَترك بدلا من وجوده الظاهري أنواعا كثيرة من وجود معنوي -أمثال ما ذكر- هي أسمى وأرقى منه ثم يرحل.

وهكذا يمكن أن يكون الإنسان مالكا لهذه الأنواع المذكورة -من وجود معنوي باقٍ خالد- بالإيمان وبما فيه من شعور وانتساب. وأنه لولا الإيمان لضاع في العبث وذهب إلى العدم، فضلا عن حرمانه من تلك الأنواع من الوجود.

Yükleniyor...