السرعة وفي منتهى السهولة وفي منتهى السعة وفي منتهى الوفرة.. فخلقُ جميع هذه المتشابهات المتوافقات المتداخلات من المخلوقات على النمط نفسه والأشكالِ عينها ضمن عظمة هذه القدرة المطلقة وحشمتها يُظهر لنا بوضوح وحدانيتَه سبحانه وتعالى وأحديته.

وقد أفهَمتْني الآية أنه لا يمكن المشاركة ولا المداخلة قطعا في فعل هذه الربوبية والخلاقية الذي يبرز هذه المعجزات غير المحدودة.

ثم نظرت إلى «أنا» الموجودِ في «نا» حسبنا، أي نظرت إلى نفسي وتأملت فيها ورأيت أن الذي خلق الحيوانات من قطرة ماء خلقني أيضا منها. وبرأني معجزةً من معجزاته، وشق سمعي وبصري ووضع دماغا في رأسي وقلبا في صدري ولسانا في فمي، بحيث خَلَق في ذلك الدماغ والقلب واللسان مئاتٍ من الموازين الدقيقة والمقاييس الرقيقة التي تتمكن من أن تزن وتعرف جميع هدايا الرحمن المدّخرة في خزائن الرحمة الإلهية وعطاياه الكريمة، وأدرج في تلك الأعضاء ألوفا من الآلات التي تتمكن من أن تفتح كنوزَ تجليات الأسماء الإلهية التي لا نهاية لها، وأمدّ تلك الآلات والأجهزة معرِّفات مُعينة مساعدة بعدد الروائح والطعوم والألوان.

وكذا أدرج سبحانه بكمال الانتظام أحاسيسَ شاعرةً وحواسَّ باطنةً، ولطائف معنوية رقيقة في منتهى النظام والإتقان، فضلا عما خلق بكمال الحكمة في وجودي في غاية الكمال والانتظام أجهزةً متقنة وجوارحَ بديعة وضرورية لحياة الإنسان، ليذيقني جميعَ أنواع نعمِه وعمومَ أشكال آلائه ويحسّسني بها جميعا، ويفهّمني ويعرّفني بتجليات أسمائه الحسنى وبمظاهرها المتنوعة، بتلك المشاعر الدقيقة والحواس اللطيفة، ويدفعني إلى تذوّقها والتلذذ بها.

وعلاوة على أنه جعل وجودي -هذا الذي يبدو حقيرا فقيرا تافها- كوجود كل مؤمن في أحسن تقويم للكون، ونسخة مصغرة للعالم الأكبر، ومثالا مصغرا لهذه الدنيا، ومعجزة زاهرة لمصنوعاته سبحانه، وشاريا طالبا لكل نوع من أنواع نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومركزا لقوانين ربوبيته، ووسيلة لتنفيذ إجراءاته وأوامره، ونموذجا لحديقة أزاهير عطايا حكمته ورحمته، والمخاطَب المدرك لخطابه السبحاني، فإنه سبحانه وهب لي «الحياة» ليجعل الوجود -وهو النعمة الكبرى- كبيرا وكثيرا في وجودي أنا، إذ يمكن لنعمة وجودي هذا أن ينبسط بالحياة بقدر عالَم الشهادة.

Yükleniyor...