نعم، كما أن الشمس تنور الأرض كلَها بضيائها، وتصبح مثالا للواحدية، فهي بوجود صورتها ومثالها بألوانها السبعة وصورتها الذاتية في كل ما يقابلها من شيء شفاف كالمرآة فيها تصبح مثالا للأحدية.

فلو كان للشمس علمٌ وقدرةٌ واختيار وكانت للقطع الزجاجية وقطرات الماء والحباب التي تنعكس فيها الشُميسات قابليات، لكانت توجد شمس كاملة بقانون الإرادة الإلهية في كل منها وبجنب كل منها، توجد بصفاتها وبصورتها، من دون أن يعيق أو ينقص وجودُها في سائر الأماكن عن تصرفها شيئا، فتكون سببا لمظاهر كبيرة جدا بأمر القدرة الربانية وتأثيرها وحكمها. فتبين ما في الأحدية من سهولة فوق المعتاد.

كذلك الصانع الجليل فإنه باعتبار الواحدية يرى الأشياء كلَها وهو رقيب عليها بعلمه وبإرادته وبقدرته المحيطة بكل شيء، كما أنه من حيث الأحدية وبتجليها موجود جنب كل شيء ولاسيما ذوي الحياة، بأسمائه وصفاته الجليلة، بحيث يخلق بسهولة تامة في آن واحد الذبابةَ في نظام النسر، والإنسانَ في نظام الكون العظيم. فيَخلق ذوي الحياة بمعجزات كثيرة وكثيرة بحيث لو اجتمعت جميعُ الأسباب لِخلقِ بلبل واحد أو ذبابة واحدة لعجزت. فالذي يخلق بلبلا هو خالق الطيور لا غيره والذي يخلق إنسانا هو خالق الكون لا غيره.

المرتبة الرابعة والخامسة: هما.. [وبسر الوجوب والتجرد ومباينة الماهية، وبسر عدم التقيد وعدم التحيز وعدم التجزي]

إن نقل ما تفيده هاتان المرتبتان إلى أفهام عامة الناس عسير جدا، لذا نبين فحواهما باختصار مع ذكر بضع نكات قصيرة منهما.

أي إن قديرا مطلقا يملك وجودا هو أقوى وأمتن مراتبِ الوجود وهي مرتبة الوجوب الذي هو أزلي وأبدي والمنزّه عن الماديات والمجرّد عنها، ويحمل ماهية مقدسة مباينة لجميع الماهيات.. هذا القدير المطلق يسيرٌ إزاءَ قدرته إدارةُ النجوم كإدارة الذرات، والحشرُ الأعظم سهل عليها كالربيع، وإحياءُ الناس جميعا في الحشر هيّن عليها كإحياء نفس واحدة.

لأن مقدار أنملة من نوع قوى من طبقات الوجود يمسك جبلا ضخما لطبقة خفيفة من طبقات الوجود ويديره. فمثلا المرآة، والقوة الحافظة وهما وجودان خارجيان -وهو وجود

Yükleniyor...