فإن كنت تريد أن تعرف هذا وتراه فانظر إلى مخازنك الصغيرة وهي قلبُك ودماغُك وجسدك ومعدتك. وانظر إلى حديقتك وإلى الربيع الذي هو زهرةُ الأرض وإلى أزاهيره وثمراته، فإنه سبحانه يفتحها بيد غيبية بمفاتيح متباينة متنوعة آتية من مصنع ﹛﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾|﹜ . يفتحها بكمال النظام والميزان والرحمة والحكمة، فيُخرج رطلا بل مائة رطل من المطعومات أحيانا من درهم من عُليبات صغيرة، يُخرجها بكمال الانتظام والميزان مقيما بها ضيافةً فاخرة لذوي الحياة.

فهل من الممكن أن تتدخل قوةٌ عمياء وطبيعة صماء ومصادفة عشواء وأسبابٌ جامدة جاهلة عاجزة في فعلٍ لانهاية له يؤدّى إلى هذه الدرجة من الانتظام والعلم والبصيرة، وفي صنعةٍ دقيقةٍ ذات حكمة تامة لا تدنو منها المصادفةُ قطعا، وفي تصرّفٍ موزون لا خطأ فيه إطلاقا، وفي ربوبيةٍ جليلةٍ عادلةٍ عدالةً تامة لا ظلم فيها أصلا؟

وهل يمكن لمن لا يرى الأشياء كافة في آن واحد ولا يستطيع إدارتها كلها دفعةً واحدةً، ولا يجعل الذراتِ والنجومَ السيارة معا تحت أمره أن يتدخل في هذه الإدارة وتصريفِ الأمور التي جوانبُها كلها ذات حكمة ومعجزة وميزان؟

وهكذا فمن لا يؤمن بمثل هذا المتصرف للأمور، المدبّر الرحيم، والربّ الحكيم، والذي بيده الخير، وله مقاليد كل شيء، ويضل ضلالا بعيدا، ليس له إلّا النار التي تستعر وتغضب حتى ﹛﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾|﹜ (الملك:٨) كما قال تعالى. فتقول جهنمُ بلسان حالها: إنه يستحق عذابي الخالد فليس هو أهلا للرحمة.

الكلمة العاشرة: وهي «وهو على كل شيء قدير»

إن إشارة مختصرة جدا إلى ما فيها من حجة هي: أن كل ذي شعور يأتي إلى هذه الدنيا المضيف، ويفتح عينه يرى: قدرةً تُمسك الكونَ كله في قبضتها، وتضم علما أزليا مطلقا لا يضلّ ولا ينسى وحكمةً سرمدية لا عبث فيها إطلاقا وتشمل عنايةً بالغة، بحيث تجعل كل فرد من أفراد جيش الذرات منجذبا جذبة مولوية، فتستخدمها في وظائف شتى، وتُجري في اللحظة نفسها الكرة الأرضية في دائرة واسعة تبلغ مسافتها أربعة وعشرين ألف سنة في سنة واحدة وتديرها كالعاشق المولوى المجذوب بالقانون نفسه.


Yükleniyor...