ونرى أنها كتاب دين حقيقي لا نفاق فيه وأنها تفسير للقرآن الكريم. إن مقاييس التفضيل والترجيح مسألة تقدير وجداني وقلبي لا يستطيع أحد أن يتدخل فيه.

أجل، إننا نعتقد بأن مؤلف رسائل النور يعطي درس الحقيقة نفسها، وأن إنكار المدعي العام لهذا وعدم قبوله لا يُضعف اعتقادنا هذا ولا يهزه، ونحن لا نتقبل رسائل النور من أجل كرامتها الكونية بل من أجل ظهور الكرامة العلمية الكاملة التي تتحدى الأوساط العلمية في دروس النور. ومع أن تحصيل مؤلفها العلمي لم يتجاوز ثلاثة أشهر. فإنه يفيض علما وينشر هذا العلم، وهو يستخدم في خوارق علمه وفي أكثر المسائل العلمية تعقيدا منطقا عاليا حيَّر أكبر المفكرين وأذهلهم، ويستخدم أسلوبا جذابا رائعا ومشوقا فياضا بالحرارة نابضا بالعشق وبالعواطف الجياشة وذلك بلغةٍ تَعلّمها بعد منتصف عمره، حتى لتبدو كتاباته وكأنها بحر إيمان وخزينة توحيد ومحيط حكمة، فهل تستطيعون أن تَدلّونا على بديع زمان ثانٍ؟ أنتم تستكثرون علينا أن نَعد تمثالَ الفضيلة هذا أستاذا لنا وهو الذي لم يلتفت إلى بريقِ جميع الظواهر الفانية ولم يسمح لنفسه التنزلَ إلى أية منافع مهما كبرت ولا إلى الأمور التي تُلوث الإنسان مهما كانت نداءاتُ هذه الأمور قوية، ولم ينتظر أو يتوسل من أحد شيئا ولم يقبل ما عُرض عليه، وأعطى أفضلَ مثال للعفة وللنزاهة، وصبر على جميع أنواع المكاره والمضايقات، ونذر نفسه لإظهار الحقيقة وإظهار الأنوار القرآنية والمعارف المحمدية.

أما أمام آلام البلد والأمة فقد كان قلبه الرحيم يبكي ألما وشفقة. وعلى الرغم من كل أنواع الغدر والإهانة التي تَعرّض لها فإنه لم يتخل عن إيفاء وظيفته لإسعاد مَنْ حواليه؛ فعلى الرغم من شيخوخته ومن بؤسه فإنه بذل جهودا مضنية وناضل بكل قوة في سبيل الله تعالى لإنقاذ الناس من غيابة الجهل ومن لجة الإلحاد. وفي هذا الوقت الذي ضاعت فيه المقاييس الأخلاقية فإننا نراه -بجانب كرامته العلمية المذكورة أعلاه- مثالا للتضحية والإيثار ومثالا للاستقامة وللنزاهة وأنموذجا يحتذى للكمال ومحرابا للفضيلة. أَتَرون هذا إفراطا منا؟

إذن فإن هذه هي نظرتنا نحو «بديع الزمان» ونحو مؤلفاته، فهل ارتباطنا به الناشيءُ عن إيماننا، وهل اشتراكُنا مع آيات القرآن الكريم ومع الأحاديث النبوية الشريفة في تقبيح الكفر والانحدار الأخلاقي يجعلنا ملوثين بأوضار السياسة الفانية؟ وهل يمكن إطلاق صفة


Yükleniyor...