وكذا النجوم والشموس التي هي أكبر من الأرض بألف مرة، يوزَن كلٌّ منها بذلك الميزان ويكال بمكياله، فتُعطى لتلك المخلوقات كلُ ما يلزمها من حاجيات من غير نقص وقصور حتى تتساوى أمام ذلك الميزان -ميزانِ العدالة- تلك المخلوقاتُ الصغيرة جدا بتلك المصنوعات الخارقة في الضخامة. علما أن منها ما له تأثير عظيم إلى حد تختل موازنةُ العالم بفقد موازنته لثانية واحدة، ولربما تؤدي إلى انفلاق القيامة.

وتعال وتأمل في هذا الجمال الزاهي والحسن الباهر ضمن هذا الانتظام والنظافة والميزان، بحيث جعلَ هذا الكون العظيم على صورة مهرجان في منتهى الجمال والبهجة، وعلى صورةِ معرض بديع في منتهى الزينة والروعة، وعلى صورة ربيع زاهٍ تفتحت أزاهيرُه توا. وجمّل الربيع كزهرة عظيمة واسعة تغطي وجه الأرض بمئات الألوف من أزاهيره الجميلة، وكل زهرة منها في أروع زينة وأبدع جمال، بل جعله كسندانة زاهية وباقة زهر لطيفة أمامنا.

نعم، إن كل نوع من أنواع الكائنات، بل حتى كل فرد من أفرادها قد نال حسب قابليته حظا من جمال الأسماء الإلهية الحسنى التي لا منتهى لجمالها. حتى دفع حجةَ الإسلام الإمام الغزالي(∗) إلى القول: «ليس في الإمكان أبدعَ مما كان» (10) أي ليس في دائرة الإمكان أبدعُ وأجملُ من هذه المكوَّنات.

وهكذا فهذا الحُسن المحيط الجاذب، وهذه النظافة العامة الخارقة، وهذا الميزان الحساس المهيمن الشامل، وهذا الانتظام والانسجام المعجز المحيط بكل شيء، حجةٌ قاطعة على الوحدانية وعلامة واضحة على التوحيد أسطعَ من ضوء الشمس في رابعة النهار.

Yükleniyor...