أبدية، وتكسبه سعادة دائمة.. فلو تكررت هذه الآية الكريمة مليارا من المرات لا يعد تكرارُها من الإسراف قط، ولا يمس بلاغتَها شيء.

وهكذا ترى أن القرآن الكريم الذي يعالج أمثال هذه المسائل القيمة ويسعى لإقناع المخاطبين بها بإقامة الحجج الدامغة، يعمّق في الأذهان والقلوب تلك التحولات العظيمة والتبدلات الضخمة في الكون، ويجعلها أمامهم سهلة واضحة كتبدل المنزل وتغير شكله. فلابد أن لفت الأنظار إلى أمثال هذه المسائل -صراحةً وضمنا وإشارةً- بألوف المرات ضروري جدا بل هو كضرورة الإنسان إلى نعمة الخبز والهواء والضياء التي تتكرر حاجته إليها دائما.

ومثلا: إن حكمة تكرار القرآن الكريم: ﹛﴿ وَالَّذ۪ينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ ﴾|﹜ (فاطر:٣٦) ﹛﴿ اِنَّ الظَّالِم۪ينَ لَهُمْ عَذَابٌ اَل۪يمٌ ﴾|﹜ (إبراهيم:٢٢) وأمثالها من آيات الإنذار والتهديد. وسَوْقها بأسلوب في غاية الشدة والعنف، هي -مثلما أثبتناها في رسائل النور إثباتا قاطعا-: أنّ كفرَ الإنسان إنما هو تجاوز -أيّ تجاوز- على حقوق الكائنات وأغلب المخلوقات، مما يثير غضبَ السماوات والأرض، ويملأ صدورَ العناصر حنقا وغيظا على الكافرين، حتى تقوم تلك العناصر بصفع أولئك الظالمين بالطوفان وغيره. بل حتى الجحيمُ تغضب عليهم غضبا تكاد تتفجر من شدته كما هو صريح الآية الكريمة: ﹛﴿ اِذَٓا اُلْقُوا ف۪يهَا سَمِعُوا لَهَا شَه۪يقًا وَهِيَ تَفُورُۙ ❀ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾|﹜ (الملك:٧-٨). فلو كَرَّرَ سلطانُ الكون في أوامره تلك الجنايةَ العظمى «الكفر» وعقوبتَها بأسلوب في غاية الزجر والشدة ألوف المرات، بل ملايين المرات، بل مليارات المرات لما عُدّ ذلك إسرافا مطلقا ولا نقصا في البلاغة، نظرا لضخامة تلك الجناية العامة وتجاوز الحقوق غير المحدودة، وبناء على حكمة إظهار أهمية حقوق رعيته سبحانه وإبراز القبح غير المتناهي في كفر المنكرين وظلمهم الشنيع. إذ لا يكرر ذلك لضآلة الإنسان وحقارته بل لهول تجاوز الكافر وعظم ظلمه.

ثم إننا نرى أن مئات الملايين من الناس منذ ألف ومئات من السنين يتْلون القرآن الكريم بلهفة وشوق وبحاجة ماسة إليه دون ملل ولا سأم.

نعم، إن كل وقت وكل يوم إنما هو عالَم يمضي وباب ينفتح لعالم جديد، لذا فإن تكرار: «لا إله إلّا الله» بشوقِ الحاجةِ إليها ألوفَ المرات لأجل إضاءة تلك العوالم السيارة كلها وإنارتِها

Yükleniyor...